خالد بن عبدالرحمن الذييب
يعرف ماكس فيبر الدولة بشكلها الطبيعي بأنها «منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين «من» الأراضي». ولكن ما استجد هو وجود شكل جديد من الدول وهي الدول «بلا حدود». وهي منظمات تتفق مع الشكل التقليدي للدولة بعدة أمور أهمها وجود نظام إداري مسؤول عنها أياً كان هذا النظام، وفي نفس الوقت مسؤولة عن مجموعة من البشر وتحتك بمجموعة أخرى لتتبادل المنافع معهم، نقطة الاختلاف هي أن الدول التقليدية لها حدود مكانية بينما الدول الجديدة بلا حدود مكانية، فحدودها فضاء التقنية، ومفاهيم العولمة، وابتكارات التسويق. ومثالها الشركات الكبرى الخاصة بالمشروبات الغازية، والسيارات، والأجهزة الإلكترونية، والمنزلية، فهذه الشركات تعتبر دولاً ولكن «بلا حدود»، فالدول بمفهومها المعروف لا تستطيع أن تنتقل شبراً من مكانها أو تتوسع إلا باتفاقيات دولية، أو أمور أخرى قد تصل إلى معارك حربية يدفع ثمنها الكثير، أما هذه الشركات فالأرض أرضها والفضاء ملكها، وتدخل عليك حتى في بيتك.
رؤساء مجالس إداراتها لديهم من النفوذ ما يجعلهم في غنى عن الدول ذاتها، بل ربما أقوى من بعضها. فعلى سبيل المثال، اتفاقية منظمة التجارة العالمية والتي استمرت المفاوضات فيها 8 سنوات من عام 1986 حتى 1994م، فإن دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا واليابان، انتظروا قبل التوقيع ما يحقق الانسجام بين المصالح المشتركة بين الشركات الكبرى.
إيجابية هذه الشركات أنها تحرص على استقرار الدول النامية لأنها مصدر استهلاك لمنتجاتها. فحالة الحروب فيها والفقر معناه أن بضاعتهم لن يستهلكها أحد وستبقى مخزنة عند الشركات نفسها. وأكثر ما يؤرق هذه الشركات زيادة الفقر في العالم النامي، وأن هناك قسماً كبيراً من سكان العالم خارج الأسواق الوطنية والعالمية، مما يقلق مصالح الشركات.
وهذه الشركات «الدول بلا حدود» يكفيها جزء معين من الشعب ولا يهمها الباقي. ففي دولة مثل الهند يكفي هذه الدول وجود 20 % لديهم مستوى جيد من الرفاهية ليتمكنوا من خلاله استهلاك منتجاتهم، 20 % في الهند يعني 200 مليون نسمة تقريباً، أي ما يعادل سكان أمريكا الشمالية قاطبة، وما ينطبق على الهند ينطبق على الصين أيضاً.
وما ينتج عن زيادة سيطرة هذه الدول وارتفاع قوتها كارثتان رئيسيتان، هما تلوث البيئة نتيجة كثرة المصانع وبقايا ما تنتجه من صناعات، وزيادة معدلات البطالة خاصة في الدول الفقيرة، وذلك لاعتماد هذه الشركات على التقنية وعلى فكرة «الإنتاج منخفض التكاليف» وإعادة إنتاج الهندسة «الهندرة». فكل ما يهمها تقليل «أرقام» العاملين بها، وزيادة «أرقام» المستهلكين لبضائعها، لتزداد «أرقام» المال في في حساباتها، فكل ما يحيط بها وينتج منها ويدخل إليها «أرقام».
أخيراً ...
يصعب تغيير هذا الواقع، ولكن على الأقل نحاول فهمه ومجابهة أخطاره وسلبياته، وإنشاء دولة من هذا النوع ليكون لنا موطئ قدم في هذا العالم بشكله الجديد.
ما بعد أخيراً...
يبدو أن الإنسانية نزلت في مستواها الحضاري إلى غيابة الجب...
والسبب ...
فتش عن الحضارة القائدة...
فالإنسانية على دين حضارتها.