ميسون أبو بكر
كل عام وأنتم بخير، فبعد أيام يطل شهر الرحمة والمغفرة، ولعلنا في هذا العام استعجلناه كثيراً ليس أملاً في الأجر فحسب، بل رحمة بإخواننا في غزة وسط الأخبار التي تقول ببشائر وقف إطلاق النار وهدنة بين الطرفين في رمضان.
الشهر الفضيل الذي يتجاوز هذا العام أيام الصيف الحارة والجافة وهو فرصة سانحة لجمعة الأهل على سفرة واحدة، حيث لوجبة الإفطار قيمتها الدينية والصحية والاجتماعية والتي تتفاوت طقوسها من بلد لآخر، حيث في بلاد الشام مثلاً تقدّم الأطباق كلها عند أذان المغرب وتشمل الطبق الأساسي مع نوع من اللحوم والشوربة والسلطة والعصائر كقمر الدين والتمر الهندي ثم حلوى القطايف، ويتبقى وجبة السحور التي تعتمد على (النواشف) الخفايف كالجبنة والبطيخ واللبنة والبيض، بينما في المملكة يكسر الصائمون صيامهم بالتمر والقهوة والمعجنات واللقيمات ثم تكون الوجبة الرئيسية (العشاء) بعد صلاة التراويح وبعد أن تكون معدة الصائم تهيأت لوجبة ثقيلة.
ومن متابعتي هذا العام حتى موعد كتابة المقال فلم يرصد أي ازدحام في المتاجر مما جعل أسعار السلع مقبولة وهو ما يدل على وعي المستهلك، وربما يبشر بتغيير عادات شرائية سلبية تسبق رمضان في كل عام منها تكديس السلع في المنزل والإسراف في الطهي وإعداد الأطباق التي تهدر بعد الإفطار وتسبب إرباكاً لربة المنزل والعاملة في إعداد ما تنوع منها وهو ما يشغل عن روحانية الشهر الفضيل والتفرّغ للعبادات فيه، كما استغلال مكاتب العاملات وتأجيرهن بمبالغ خيالية وهروب بعضهن قبل رمضان للعمل بأجور مضاعفة مستغلات حاجة الناس لهن.
الحياة التي لم تعد سهلة ميسرة كما السابق في الكثير من جوانبها، والجيل الجديد المشغول في معترك الحياة والذي استغنى عدد كبير منه عن الاستعانة بالخدم هو اليوم جيل عصري ينتبه للسعرات الحرارية التي يتناولها ويقدر وقته وجهده وطبيعة الحياة الجديدة التي لا تحتاج إلى ذلك الإرهاق والتكلّف والبذخ والمبالغة بخاصة من درس أو عمل منهم في الغرب، والذي استطاع عدد منه الاستغناء عن العاملات؛ فبعد إقامتي مدة لا بأس بها في فرنسا تعلمت ترتيب الحياة والاقتصاد وإدارة الوقت بما يفيد، كما أن شراء السلع الطازجة بشكل شبه يومي أفضل من استخدام المعلبات وتكديس الطعام، ونظراً لعدم وجود عاملات بمفهومها في دولنا العربية فإن الاعتماد على النفس يكون بشكل تام مما جعلني أتعلم الاكتفاء الذاتي وترتيب شؤون حياتي بما يسهلها علي.
من ميزات مجتمعنا السعودي التراحم والتكافل وحفظ النعمة وهو ما نصت عليه شريعتنا وعاداتنا وقيمنا لذلك في رمضان يتحول الحي لأسرة واحدة ويتعمق شعورنا بأن هذا الوطن أم ومن فيه إخوة يتحابون ويساعد بعضهم بعضا.
أدام الله علينا رمضان سنوات عديدة، وكل رمضان ونحن في نعمة وأمن وأمان.