د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أزهرتْ شواطئ سلطنة عُمان الشقيقة فجاءت الثقافة الإبداعية، وقد زيّنها الحسنُ إلى معرض مسقط الدولي للكتاب في العاصمة «مسقط» تلك المدينة الفاتنة بورودها وبرودها، وذلك الفضاء المكاني الذي يشبه أطواق الجمال حينما تحيط بأعناق الحسان، وتلك المدينة الندية التي يغمر القطر سماءها وتصحو على قطرات الندى رياضها وحياضها.. هناك حيث الأمكنة دائماً ما تحمل منارات حافلة كان معرض مسقط الدولي للكتاب الذي انعقد في الفترة من 22 فبراير إلى 2 مارس 2024 والذي تعددتْ فيه الثقافات فكانت مفاجآت جميلة بحجم العقل العُماني العربي الغزير!
فالمثقف هناك كأنه يقرأ ما يسمع ولايستمع فحسب! شعب يعشق القراءة بكل مذاقاتها، يتأنى في قراءة الكتاب ويلتهم الكتاب متأملا وليس على عجل!
هناك أصبح المكان والثقافة علاقات واجبة والدخول إليهما بحفاوة وشغف!
هناك الطروحات العذبة والموضوعية المعرفية والإبداع المتناثر. وهناك سمات سامية تشغلُ أذهان المثقفين، وهناك حفر للماء في الصخر وتحويله لخصب وثقافة تنبجس في الصخر بلا صخب وبتعالٍ نبيل، فذاك البرنامج الثقافي في المعرض يقود بوصلة الإبداع فبرزت نشاطات على ثغور ثقافية متعددة، وهناك شهدنا كثافة التجربة النقدية العُمانية وتعددت روافدها، ففي المعرض إشارات واعية إلى الإمتاح من المكان وتاريخه وحضارته وعموماً لايخفتُ بريق الدهشة، فقد كان معرض مسقط الدولي للكتاب ركناً مكيناً من مكونات عمران الفضاء الثقافي هناك.. لقد حرصت وزارة الثقافة والشباب والرياضة في سلطنة عُمان على تأطير مفهوم التكوين الثقافي للذات العُمانية فالبشر هم الذين يصنعون للثقافة روحها ووجودها.
ففي أروقة معرض مسقط الدولي للكتاب وعلى مدى عشرة أيام كان مرتادو المعرض من الإخوة العُمانيين متفاعلين مع التنوع الجغرافي لبلادهم وأخيلة التاريخ حولها؛ أما هدوء الفضاء المكاني في معرض الكتاب فيجعلنا نتأمل كيف يمكن للهدوء أن يكون بهذا العمق في ثنايا الكتب المرصوفة على الأرفف وهي حتماً حديث يعلو دائما.فهناك بحث مكين عن المعرفة فالذاكرة هي من تجوب أجنحة المعرض! ويحضر الشعر العماني في معرض مسقط الدولي للكتاب من خلال الأمسيات الشعرية ويحلق باستعارات كونية كالأفق الحضاري الذي يلمسونه ويستشرفونه في بلادهم!وفي عموم تجارب الشعراء العمانيين ليس ثمة انقطاع عن التأثر بالشعرية العربية في حاضرها ومن فحول الشعراء القدماء حيث تمتح من جذورهم!
هذه قراءة لحياة المجتمع الثقافي العُماني الذي لم ينكفئ على نفسه يوما واستطاع أن يستقطب مظاهر الحياة ويؤصلها وذلكم اقتدار وحضور واع لتوظيف المنجز العالمي في بلادهم والحقيقة أن قراءتي للمنجز الثقافي العُماني كان من خلال ارتياد الثقافة في معرض مسقط الدولي للكتاب إضافة إلى أشكال الحياة المتحضرة، فالمجتمع هناك مثقف متطلع يتكئ على إرث حضاري كبير..
فالمكان حتما ذاكرة والمكان الذي ليس له ذاكرة هو مكان بلا تاريخ. وفي معرض مسقط الدولي للكتاب هناك استلهام للمكان واستجواب له واستنطاقه، فهناك ملامح فنون تشكيلية اصطفت لاستقبال الثقافة والمثقفين.
وهناك تواقيع للكتب تملأ الردهات وهناك القوافي تعانق رويها وطروحات علوم وآداب ونحت وتراث واندماج ثقافي فريد!
حتما ستكون هناك ذاكرة ملأى عن مسقط ومعرضها الثقافي المميز..
وختاماً نهنئ الثقافة بمحضنها العُماني الخصيب، ونتطلع دائماً أن تكون معارض الكتاب لتطوير التلقي الثقافي مما سوف يسهم في الاستقلال الإبداعي والفكري..