ناهد الأغا
جازان.. جمال أهزوجة فرح رائعة الألحان، وإيقاع الكلمات عذبة الانسياب، زينة تسر الناظرين لتروي لهم من خلال حروفها سحراً يبهر السامع ويرحل به إلى عالم جميل، لا رغبة لأحد من مغادرته، ألق ونظارة خلابة كأن المرء يتجول في وسط حديقة غناء، وتعبر عليه نسمات شجية من نسيم بديع ممزوج بأريج عبق الفل والأقحوان الندي، كلما يمم الفؤاد قبلته نحو الجنوب، فالجراح تستطاب بطيب رائحة الفل، وجمال مظهره، ولعل ما استشعره الشاعر والأديب الحسين النجمي بجمال الفل في جازان، وأثره في النفس والقلب، حين أنشد:
يا ريحة الفل يا أحلى مواجعنا
يا فتنة قد أثارت عطر أشعاري
الشعر للفل في جازان توأمة
كلاهما في دياري نعمة الباري
وعاشق الفل يهديكم قصائده
بريحة الفل فأطرب أيها القاري
أثناء السير في حدائق مدينة (جازان) الغناء بالفُل والكادي، تقف لترى أثر جمال ذلك في أشعار أبناء بررة لهذه المدينة الجميلة، ومدى الأثر الكبير الموجود في قلب ووجدان شاعر، عشق هذه المدينة وأحبها، وشكلت منعطفاً بارزاً في حياته وطفولته وريعان شبابه، فكم نسجت هذه المدينة في إحساس الشاعر إبراهيم صعابي، الذي وُلد في جازان، وعاش وترعرع في ربوعها وعرفها وعرفته فكانت مهد الطفولة ومرتع الصبا، فسطر أبياتاً، قال فيها:
عشتِ «جازان» يا شموس شبابي
عشتِ حلما بداخل الأهداب
أنت نجواي أنت ليلي وفجري
أنت حرفي المضيء أنت كتابي
من حنانيك قد رضعتُ قصيدي
وشربتُ الهوى فطاب شرابي
سيهون العمر الطويل فداء
لك يا صوت أدمعي المنساب
عشتُ فيك ألقى أحبتي وصحابي
«جازان» يا ربوع حياتي
أعشق الحب من نسيم هواك
والأماني من شطك الخلاب
عندما تتصفح هذا الكتاب عظيم الأوراق، تدرك يقيناً أن حب الشعراء لمدينة (جازان) جزء يسير من حبهم لأمهم العطوف أرض المملكة العربية السعودية الشماء، التي يتزيّن البعض منها بذكر الكل، الذي لا يمكن بأي حال أن ينفصل عنها، فبلسان المرء العفوي، ومنطقه الصريح بالعامية الخارجة من صميم الوجدان، نطق الشاعر محمد العبدلي بحب جازان، النابع من حبه لأرض وطنه الأم العذبة الندية، فما ذرات ترابها إلا مسك شجي الرائحة من الأرض الكبرى النابضة حياة وازدهارا وكرامة:
جازان هي تعني لنا حب الأوطان
وتعني لنا هي كل حالٍ وحاله
جازان وسط القلب ميزه وميزان
فيها تراث أجداد فيها الاصاله
جازان يالؤلؤ بحر وسط مرجان
يادرة الشطآن يااغلى جباله
جازان تنبت من ثراها برمان
والفل والكادي كساها بجماله
جازان دار العلم والشعر والدان
ورجالها أهل الكرم والشكاله
جازان يعني أعتمد ياكحيلان
ويعني لنا إنّا أصل في الرجاله
قبايل المخلاف في وسط جازان
تاريخهم يشهد على كل قاله
يشهد لنا الحد الجنوبي كشجعان
إنّا على حد الوطن في اشتعاله
(جازان) حكاية لا تنتهي، بجمالها وحُسنها، تروي شموخ جبالها وعطاء بحرها، وانسياب أوديتها الرقارقة، والبوح بأسرار الحياة التهامية التي يرويها البيت التهامي، والبيت الفرساني في جزيرة فرسان في نمط إرثي وتراثي غناء.