محمد سليمان العنقري
يتعامل المستثمر مع حركة أسواق المال وفق معطيات عديدة واختلاف بين نوع من التحليل وآخر، فبعضهم لا يتبع إلا التحليل المالي للشركات أو القطاعات والسوق عامةً ويعتمد على معدلات النمو ومكررات الأرباح ونسبة العائد لسعر السوق والمقارنة بين نسبة التوزيعات النقدية الفعلية مع سعر الفائدة أو الفرص البديلة وغير ذلك، وقد تكون هذه أهم وأشهر أنواع التحليل الأكثر استخداماً وهناك من يركز على التحليل الأساسي أي اقتصاد الدولة التي يستثمر بسوقها والمعطيات الأساسية في تقييم الواقع الذي بموجبه يقرر التوجه للاستثمار في سوقها من عدمه وذلك قبل أن يتجه للتحليل المالي، أما النوع الأكثر انتشاراً وتعاملاً بالسوق فهو التحليل الفني وهو علم قائم بذاته ويتم تدريسه في الجامعات والمعاهد المتخصصة لكن سبب رواجه لاعتقاد الكثيرين بسهولته قياساً بأنواع التحليل الأخرى وهذه مغالطة كبيرة جداً والأدلة عليها عديدة وتشاهد يومياً بتغير آراء بعض المحللين المبتدئين أو محدودي الإمكانيات مع أي تغير باتجاه السهم أو السوق وهو ما ينعكس سلباً على قرار من يتبعون تحليلاتهم.
فالمضاربات والتي تُسمى أيضاً ملح السوق تقوم على التحليل الفني ومع وجود نسبة كبيرة من المضاربين المتعاملين بالأسواق يصبح التحليل الفني هو الصوت الأكثر طرباً ويستمع له ويتم اتباع المحلليين الفنيين بشكل كبير جداً ويعد ذلك عاملاً سلبياً جداً ويمثّل خطورة بالغة على محافظ المضاربين عموماً فهم يتأثرون سريعاً بأي رسومات تطرح حول حركة الأسهم ويدعم ذلك الإشاعات أو ما يُسمى بالتوصيات ولكن بمجرد أن يتغيّر لون الشاشة من الأخضر للأحمر وفق آلية حركة الأسهم الطبيعية تتبدل نفسية المضارب الذي أخضع قراره بالشراء أو البيع وفقاً لتحليل فني أو توصية فبعد التفاؤل مثلاً يتغير قراره للبيع مع أي تغير مهما كان بسيطاً بالاتجاه الصاعد للسهم ويتفاجأ بعد فترة من بيعه للسهم بأنه ارتفع وحقق نسباً مجزية لمن تمسك بمركزه فتجد كثيراً ممن يتأثرون بلون الشاشة يعزون قرار البيع لمؤامرة من المتحكم المجهول بالسهم أو لفوضى في السوق، وبالمحصلة هو يريد تبرئة ساحته فقط، وأنه كان مغلوباً على أمره في قراره بالبيع أي يعلق خطأه على شماعة الآخرين وكل ذلك غير صحيح لأن الأسواق منظمة ومحوكمة.
والمراقبة والعقوبات الرادعة والمغلظة تطبق بحق كل متلاعب وتستخدم فيها أحدث الأنظمة التقنية لمراقبة التعاملات، كما أن حركة الأسهم يتحكم فيها قرارات الناس بالبيع والشراء وليس بتأثير كبير من أحد رغم وجود تأثير للملاك الكبار بالأسهم الحرة لا يمكن إغفاله لكن ليس لدرجة أن تأثيرهم مطلق، فكثير منهم يحقق خسائر أيضاً، فالسوق أكبر من الجميع وحساسيته مرتفعة تجاه أي أخبار أو أحداث تغير اتجاهه.
الحقيقة هي أن القرار بالشراء والبيع السريعين كان نابعاً من نظرية التغذية المتبادلة، أي أن المتعامل محدود التجربة والخبرة بالأسواق تأثر باللون الأخضر بعد أن سمع توصية وشاهد تحليلاً فنياً يدعمها فقام بالشراء وأصبح منتظراً لتحقيق الهدف وحتى لو ارتفع السعر وقام بمتابعة التحليلات الفنية حول السهم الذي اشتراه وتغيرت آراء المحللين الفنيين لأهداف أبعد من تلك التي شاهدها أول مرة فتجده يغير قراره النابع في هذه اللحظة من عامل الطمع وإذا أنهى السهم موجة الارتفاع ولم يصل للأرقام التي حدد قراره بأنه سيبيع عندها وبدا السهم بالتصحيح فهو يقرر عدم البيع لأنه يشعر بأن ذلك يمثّل خسارة له من الربح الذي حلم أنه سيحققه بتوقع هدف يبقى احتمالياً ليس أكثر ومن هنا تبدأ معاناة جديدة له وهي تحدي الأسواق وأنه لن يتنازل عن الربح الذي توقعه بناءً على التحليل الذي اتبعه، أما النوع الآخر من المتعاملين بناءً على نفس المعطيات فبعد أن يرتفع لديه عامل التفاؤل بعد قرار الشراء فإن نفسيته وقراراه يتغيّر مع تحول السهم للون الأحمر حتى لو لوقت قصير فيقوم بالتخارج خوفاً من الخسارة وينسى كل ما أقنع نفسه به عندما اشترى السهم.
من هذه الحالات ظهرت الكثير من الدراسات حول سلوكيات التعامل بالأسواق والتي بيّنت أن جل المتعاملين يميلون للمضاربة ويحركهم الخوف والطمع ويبحثون عن أي تحليل أو معلومة يعلقون عليها قراراتهم التي هي بالحقيقة قرارات غيرهم فعلياً بينما هم منفذون لها دون صبر أو تحقق من دقتها ولذلك كانت نتيجة دراسة عملت على السوق المالي الفرنسي بأن من بين كل عشرة آلاف مضارب يوجد واحد يكسب والبقية تترنح محافظهم بين كسب وخسارة دون منفعة كبيرة، فالقرار الجيد في السوق هو أن تتعلّم بنفسك أساسيات التعامل معه ومن الأفضل إذا لم تكن قادراً على ذلك وأيضاً إعطاء السوق حقه بالمتابعة فالاتجاه للاستثمار عبر المؤسسات المالية المرخصة هو القرار الأفضل على المدى المتوسط والبعيد ويقلل من المخاطرة بأموالك وينمي استثماراتك دون أن تتكلف عناء متابعة حركة السوق والتأثر بتقلباتها.