خالد بن حمد المالك
في كل مرة أزور محافظة عنيزة أجد فيها ما استُجد، وألمس التّغيّر الكبير في كل ما يُلفت النظر، ويُعمّق الإعجاب، وأشعر مع التجديد أن شخصية المحافظة تتجدد ولكن دون أن تتخلى عن عبق تاريخها وأصالتها وموروثها التاريخي المتفرد.
* *
جولة لساعات وأنت تزورها سوف يكون الانطباع المُبهر لديك حول ما تراه، والذي يُحرّك فيك كوامن الشعور بالرضا عن محافظة تهتم بما يجعلها جاذبة وتهتم بالإنسان، ومصدر إعجاب فاتن لهذا الذي أثار فيك ما تراه من قصةٍ لنجاح محافظة مُلهمة لمن يريد أن يحاكيها.
* *
أنا هنا لا أتحدث عن نظافة شوارعها، وحُسن تصميم مبانيها، ولا عن نظافتها، وأشجارها الباسقة، ومن أنها أرضٌ خصبة تصدر ألذّ الخضروات والتمور والفواكه، ولا عن أنه كما يوجد حاتمي في حائل نسبة لكرم أهلنا هناك, فهنا في عنيزة لها وعندها حاتمها أيضاً، وإنما أتحدث عن مجتمع حيٍّ يبتكر مشاريع نوعية، ويتبنى مبادرات مهمة، وتعمل المجتمعات المدنية غير الربحية هنا بما لا يفعله بذات المستوى والجودة والنوعية غير أهالي عنيزة.
* *
دعوني أقصر حديثي عن واحد فقط من هذه المشاريع حتى لا أغرقكم بكثير من التفاصيل مما رأيته ومما لم أَرَهُ ولكني سمعت عنه في زيارتي للمحافظة بدعوة من محافظها النشط عبدالرحمن السليم، وهي انطباعات شخصية تعطي مؤشراً لقيمة ما يجري، وتدفع الآخر لمحاكاته، واعتباره رسالة مُهمة لمن يريد أن يحوّل الكلام إلى أفعال وإلى إنجازات.
* *
المثال الذي أركز عليه وأعنيه، وقد أبهرني، وأسرني حديث المسؤولين عنه، هو (مركز القصيم العلمي) والأصح أن يكون مركز المملكة العلمي، نسبة لجودة الفكرة، وحُسن التنفيذ، وتميزه علمياً بالمحتوى الذي ضمّ الكثير من الابتكارات العلمية بشكل يهدف إلى المساهمة في تحسين البيئة التعليمية، وتطوير أساليب التعليم والتعلّم تحقيقاً لرؤية المملكة 2030 لتسهم برامجه في إعداد جيل علمي قادر على التنافسية العالمية في الاقتصاد المعرفي والصناعي، كما هي أهداف هذا المركز.
* *
يتحدث القائمون على المركز عن أنه يتميز بشراكة مجتمعية، بدأت بمبادرة وطنية من أهالي المحافظة بالشراكة مع وزارة التعليم، ودعم سخي من مجموعة الزامل القابضة، وعدد من القطاعات الحكومية والخاصة، وأن المركز الذي يقع على مساحة 47.000م2 يعمل من خلال ذراعين رئيسيين متمثلين في واحة عبدالله حمد الزامل للعلوم، وأكاديمية محمد الحمد الشبيلي العلمية.
* *
المركز يستهدف جميع الطلاب والطالبات من التعليم العام والتعليم الجامعي والتعليم التقني، بالإضافة إلى المهتمين والمتخصصين من مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك العائلات، وأن من يزور المركز سوف يقضي فيه ساعات دون أن يشعر بالملل أو التشبّع، وما هو ملاحظ وقيل لنا إن كثيراً من المواطنين يترددون عليه إما بزيارات، أو من خلال الدورات لاكتساب المزيد من المعرفة، ففيه أجواء مُحفزة ومُشجعة ومُلهمة لقضاء وقتٍ للاستمتاع والتعلم بين مكوناته.
* *
في واحة عبدالله الزامل للعلوم مثلاً يتم التركيز على توظيف التعليم بالترفيه برؤية عصرية فريدة، حيث تصميمها التفاعلي المدهش في قاعاتها الثماني التفاعلية المتنوعة في علوم الأرض والكون، والعلوم الحيوية، والتطبيقات الفيزيائية، والنفط والطاقة، والتقنية والاتصالات، والاختراعات الإسلامية، وهناك قاعة متخصصة للطفل، وقاعة أخرى للاستكشاف, والذكاء الاصطناعي.
* *
وفي المقابل فإن أكاديمية محمد الشبيلي العلمية، كما تحدث المسؤولون هدفها إعداد جيل قادر على الفهم والتحليل والابتكار، حيث تم إعداد 152 حقيبة تعليمية بمنهجية STEM حتى الآن، مشيرين إلى أنها تقوم على التكامل بين العلوم والهندسة والرياضيات، وربطها بواقع الحياة وسوق العمل، وتتكون الأكاديمية من تسع وحدات تدريبية متنوعة هي: علوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات، الروبوت والذكاء الاصطناعي، الإلكترونيات والاتصالات، العلوم الحيوية والبيئة، التطبيقات الفيزيائية، الهندسة والرياضيات، التقنية الطبية، الصناعات الكيميائية وتقنية النانو، القضاء والطيران.
* *
ومن يزور محافظة عنيزة، ولم يَقُمْ بزيارة هذا المركز العلمي فكأنه لم يَزُرْ المحافظة، ولم يطلع على أهم منجز فيها، مكتفياً بما أبهره من جمال المحافظة، وحُسن تنسيقها، دون أن يطلع على المنجز الأهم فيها.
**
(يتبع)