د.عبدالله بن موسى الطاير
الرئيس دونالد ترمب تاجر، نهاز للفرص، فبعد أن ضمن الانتخابات الأولية بين الجمهوريين، وأنه الآن مرشحهم الأوحد، وحيّد التعديل الرابع عشر، عزَّز قبضته على اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، بعد أن تولى رئيس الحزب الجمهوري في ولاية كارولينا الشمالية مايكل واتلي ولارا ترمب زوجة ابنه مناصب قيادية عليا في اللجنة المعنية بإدارة شؤون الحزب الجمهوري، وسط جدل بين الأعضاء حول ما إذا كان ينبغي للمنظمة المساعدة في دفع فواتير ترمب القانونية. تصف صحيفة الجارديان ما حصل في الحزب الجمهوري بأنه انقلاب أحكم بموجبه الرئيس ترمب سيطرته على الحزب، حيث صوتت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري على تعيين فريق القيادة الذي اختاره دونالد ترمب بعناية، ليكمل بذلك تصرفه الكامل في شؤون الحزب.
لا زال النقاش على مستوى الحزبين، وسيصل في نوفمبر القادم إلى المستوى الوطني. منهج الرئيس ترمب كان يا ألعب لعبة الديموقراطية يا أخربها. بمفهومنا الرجل صليب راس، وله محبون، يمكن أن يفعلوا أي شيء من أجله، وهناك من يستهويهم خطابه البسيط، وحتى نرجسيته وعنصريته تلامس شغاف قلوب القوم الذين يتجملون علانية بالديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وخفية يهيمون إعجاباً بتوجهات الرئيس ترمب. لا مجال للجزم بأنه سيفوز بالانتخابات العامة، ولكنه ضَمِن أصوات الجمهوريين بدون منازع، ولن يجرؤ جمهوري على التقدم للمنافسة إلا مستقلاً، وذلك لن يأخذه إلى واشنطن ناهيك عن البيت الأبيض.
سيلعب لصالح ترمب أنه قوي، ولطالما حُكم الأمريكيون بالخوف؛ وهناك خطاب ترهيب يسوقه الرئيس والموالون له من غزو على حدود أمريكا الجنوبية، وحرب في أوكرانيا تستنفذ موارد الحكومة الفيدرالية وجيوب المواطنين، وخوف من الإنجيليين على مستقبل إسرائيل، وهي جميعها محفزات تسوقهم نحو صناديق الانتخابات للتصويت لرئيس يحمي أمريكا.
مقارنة بالرئيس بايدن فإن تماسك ترمب الفيزيولوجي والذهني يجعله مقدماً، إلا أن لبايدن قصب سبق في مجالات أخرى تتعلق بالخدمات الصحية للمواطنين والرعاية الاجتماعية والاقتصاد. موقف المرشحين من السلاح، والهجرة والإجهاض، والتغير المناخي، جميعها تتنازع الناخبين الصامتين الذي يصوتون بشكل مستقل وهم الذي يحسمون السباق نحو البيت الأبيض.
هناك إشكالية تؤرق الباحثين والمهتمين بشؤون الديموقراطية الأمريكية وهي التصويت وفق عقلية القطيع، حيث يتحكم في الناخبين، وبخاصة الذين يصوتون لأول مرة، المحيطون بهم ممن لهم سابق تجربة وحماس حزبي يجر من حولهم في ركابهم. ولهذا النوع من الانحياز ما يؤيده، ففترة الحملات الانتخابية مشوشة وغير واضحة النهج لمن يريد أن يختار بناء على أجندة المرشح. يلعب الإعلام دورا في التشويش على القرارات عندما يتحيز على حساب المعلومات المفيدة للناخب. على سبيل المثال، تصور وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية (سي إن إن) ترمب باعتباره مجرماً يسعى إلى تدمير الديمقراطية، في حين تصور وسائل الإعلام ذات الميول اليمينية (فوكس نيوز) بايدن باعتباره رجلاً عجوزاً خرفاً وبطيئاً وغير كفؤ، ويعرض تقاعسه الولايات المتحدة للخطر.
على الرغم من أن بايدن يؤدي بشكل جيد اقتصاديا، وقد لعب لصالحه انتهاء إجراءات وقيود جائحة كوفيد، فإن عددا من الأمريكيين يرون في ترمب المرشح الأفضل للتعامل مع الاقتصاد كونه رجل أعمال ناجح ولديه الخبرة الكافية لإحداث الفرق أكثر من الاعتماد على المستشارين فقط. في السياق الاقتصادي رصدت كاتبة واشنطن بوست أبها بهتاري الأداء الاقتصادي للرئيسيين ترمب وبايدن في 12 مجالا وخلصت إلى أن الاقتصاد بنهاية 2023م يختلف إلى حد كبير عما كان عليه في عام 2017، عندما تولى ترمب منصبه. البيانات أظهرت كيف تركت كل إدارة بصماتها؛ بايدن أضاف 14 مليون وظيفة في أقل من ثلاث سنوات، مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة بين السود إلى مستوى قياسي، وخفض ديون القروض الطلابية بالمليارات، وفي الوقت نفسه، خفض ترمب من التضخم، وخفض أسعار الفائدة، وخفض أسعار الوقود.
السباق نحو البيت الأبيض استقام بين مرشحين ديموقراطي وجمهوري، إذا لم تحدث مفاجآت من الآن إلى وقت مؤتمر الحزبين في منتصف العام الجاري، ولن يكون الحسم سهلا لأحدهما وبخاصة إذا تماسك الرئيس بايدن صحيا، ودخل بنائب رئيس أكثر قبولاً وكاريزما.