د.خالد السيد حسن
تمثِّل التغيرات المناخية تحديات كبيرة لحقوق الإنسان، وتأثيرها يتراوح من تهديدات للحياة إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية. للتصدي لهذا التحدي، يجب أن تتبنى الدول والمجتمع الدولي مجموعة من التدابير والسياسات تتنوع بين الحماية، والتكيّف، والتخفيف، ويكون للمشاركة المجتمعية دور مهم وبارز فيها. وفيما يلي استعراض لدور المشاركة المجتمعية المتمثلة في القطاع الخاص والقطاع المدني وبعض التدابير والسياسات المتعلقة بالحماية والتكيّف والتخفيف من آثار التغيِّرات المناخية خاصة المؤثِّرة منها على حقوق الإنسان:
1 - دور المشاركة المجتمعية في وضع وتنفيذ سياسات الحماية والتكيّف والتخفيف:
للقطاع الخاص دور واضح وله تأثير كبير في تحسين الوضع البيئي والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في وقت تتسارع فيه التحديات البيئية. فهو محرك رئيسي للتحول نحو الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأكثر استدامة ومسؤولية بيئياً. وذلك من خلال تبني وتطبيق تكنولوجيا نظيفة وممارسات الإنتاج المستدامة والتزام الشركات بتقديم المنتجات والخدمات التي تسهم في تحسين البيئة، الأمر الذي يساعد المجتمعات المحلية والدولية في التكيّف مع التحديات البيئية المتزايدة.
ولقد دعا صندوق النقد الدولي إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص المتعلقة بالمناخ إلى 2 تريليوني دولار سنوياً بحلول العام 2030 (المبلغ المقرر حالياً 400 مليار دولار فقط للسنوات السبع القادمة). وأشار إلى ضرورة رفع مساهمة القطاع الخاص من 40 % إلى 80 %، لتلبية احتياجات الاستثمارات المناخية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
ومن بين أبرز أدوات القطاع الخاص للقيام بدور فاعل ومؤثر فيها فيما يخص العمل المناخي، الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة ودعم البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا البيئية لتطوير حلول نظيفة وفعالة، وتحسين كفاءة الطاقة وتبني ممارسات استدامة تقلل من الآثار البيئية للعمليات الصناعية، ووضع أهداف واضحة للحد من الانبعاثات الكربونية وتبني مبادرات لتحقيقه، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والاستثمار في البنية التحتية الخضراء، وتطوير سلاسل الإمداد والتموين المستدامة من خلال تعزيز التعاون مع الموردين وتحفيزهم على تبني ممارسات مستدام، وأخيراً شفافية توفير المعلومات للمستهلكين حول المنتجات البيئية وتشجيعهم على اتخاذ قرارات استهلاك مستدامة.
كما أن للمجتمع المدني دوراً مهماً ويمكنه القيام بالعديد من الوظائف في مجال مكافحة التغيّر المناخي والحد من آثاره. فعليه واجب الحفاظ على الحرية الشخصية للمواطنين وحمايتهم من الإجراءات التعسفية، وحماية حقوقهم من الانتهاك. كما تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدور الوساطة بين الدولة والمواطنين بما يضمن التوازن بين السلطة المركزية والشبكات الاجتماعية. وللمجتمع المدني دور مهم وبارز في التنشئة الاجتماعية وتحفيز المواطنين على المشاركة في الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة. وينظر للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها علاجاً لمخاطر الفردية والأنانية، والانفصال عن المجتمع، وعلاج للانقسامات المجتمعية وتعزيز التماسك الاجتماعي. ولا يمكن إغفال دور المنظمات المدنية في الاتصال، فهي بمثابة الوعاء الذي يتمكن فيه الأفراد من النقاش والمشاركة وبناء القرار الديمقراطي، ويؤدي المجتمع المدني مع الأحزاب السياسية والبرلمانات دور الرقيب على أنشطة الحكومات في شتى المجالات والتي من بينها مكافحة التغيرات المناخية والحد من آثارها. وأخيراً لا يمكن إغفال دور المجتمع المدني واستعداده للشراكة مع الحكومات ومؤسسات الدولة المختلفة في دعم السياسات المناخية التي تتخذها الدول، وتنفيذ هذه السياسات وفقاً لقواعد العمل المناخي وحقوق الإنسان.
هذا وتلعب المشاركة المجتمعية دوراً حيوياً في توفير الحماية لحقوق الإنسان في ظل التغيرات المناخية. يمكن للمشاركة المجتمعية أن تساهم في نجاح السياسات المرتبطة بالحماية من تأثيرات التغير المناخي على حقوق الإنسان من خلال مساهمتها ونجاحها في القيام بالأدوار التالية:
- المساهمة في تحديد الحلول التكنولوجية، وفي عمليات اتخاذ القرار، وتنفيذ السياسات المتعلقة بالتغير المناخي، وإدارة المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، والتي تستند إلى احتياجات المجتمع وتحفظ حقوق الإنسان في هذه الحلول والقرارات.
- تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية، من خلال تسليط الضوء على تأثيرات تغير المناخ على مختلف فئات المجتمع وتحدد الاحتياجات الفردية والجماعية.
- ضمان توزيع التأثيرات والفرص المتعلقة بالتغير المناخي بشكل عادل، خاصة بين الفئات الضعيفة والمهمشة، وتمكينها لتصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات الناجمة عن تغير المناخ.
- المساهمة في برامج التوعية والتعليم ونقل المعرفة والمعلومات وتبادل الخبرات حول تأثيرات التغير المناخي على حقوق الإنسان، وتعزيز مشاركتهم في النقاشات والحوارات حول كيفية التكيّف والتخفيف من تأثيرات التغير المناخي والحفاظ على حقوق الإنسان، وذلك من خلال وسائل متعددة مثل الورش والندوات ووسائل التواصل الاجتماعي.
- المشاركة في مراقبة التأثيرات البيئية والاقتصادية للمشاريع، والإبلاغ عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان.
2 - سياسة الحماية من تأثيرات التغيرات المناخية على حقوق الإنسان:
نستعرض في هذا الجزء أهم التدابير والسياسات المتعلقة بالحماية من تأثيرات التغيرات المناخية على حقوق الإنسان:
- حماية حقوق لاجئي المناخ، والاعتراف بهم كلاجئين دوليين، وتوفير الحماية والدعم لهم. يمكن للمشاركة المجتمعية أن تلعب دوراً في دعم وحماية حقوق لاجئي المناخ وتوفير الدعم الاجتماعي والقانوني لهم.
- حماية المواطنين من الوقوع في براثن الفقر وخاصة النساء، وتعزيز مشاركتهن في إستراتيجيات التكيّف والتخفيف.
- حماية حقوق الإنسان المرتبطة بالمياه وضمان الأمن الغذائي في ظل تغير المناخ.
3 - سياسات المواجهة (التكيّف والتخفيف) لتأثيرات التغيرات المناخية على حقوق الإنسان.
وتشمل مجموعة من التدابير والسياسات المتعلقة بـ:
- تطوير إستراتيجيات تكييف فعّالة لتقليل تأثيرات التغير المناخي على المجتمعات الضعيفة والمهمشة.
- تعزيز المرونة الاجتماعية والاقتصادية للفئات الأكثر تأثراً.
- تبني سياسات تعزّز العدالة المناخية وتحقق التكافؤ في مواجهة تأثيرات التغير المناخي على المجتمعات المختلفة والتكيّف معها.
- تحفيز التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة وتشجيع فرص العمل في القطاعات الخضراء.
- الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. تعزيز استخدام الطاقة المتجددة يعتبر خطوة حيوية للتصدي لتأثيرات التغير المناخي وتحقيق الاستدامة البيئية. وعلى الدول والمجتمعات اتخاذ بعض التدابير والسياسات المتعلقة بتعزيز الطاقة المتجددة، ومنها:
- تقديم حوافز مالية وضريبية للمستثمرين في مشاريع الطاقة المتجددة، وفي مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية والرياح.
- الاستثمار في تحسين البنية التحتية لتكنولوجيا الطاقة المتجددة، مثل شبكات التوزيع ومحطات الشحن للسيارات الكهربائية، وتقديم دعم مالي وتسهيلات للشركات التي تعمل في مجال تطوير وتحسين نظم إدارة شبكات الطاقة، لتمكين استيعاب المزيد من الطاقة المتجددة وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
- توجيه الاستثمار في البحث والتطوير نحو تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة وتحسين الكفاءة.
- تشجيع شراء الطاقة المتجددة وتوفير تسهيلات للاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة.
- وضع قوانين وتشريعات ملزمة لزيادة نسبة الطاقة المتجددة في سلة الطاقة الوطنية.
- دعم وتشجيع المشاريع البيئية والمشاريع المجتمعية التي تعتمد على الطاقة المتجددة.
- استخدام التكنولوجيا للتكيّف مع تغيرات المناخ وتقليل الآثار الضارة. كما أوضحنا سابقاً فإن تعزيز التكنولوجيا البيئية المتعلقة بالمعلومات والابتكار تشكِّل جزءاً مهماً من الاستجابة لتغير المناخ، حيث يمكن أن تسهم التقنيات البيئية في التكيّف مع التحديات البيئية وتقليل الآثار السلبية للتغير المناخي. وتتمثَّل أهم التدابير والسياسات المتعلقة بتعزيز التكنولوجيا البيئية في:
- تطوير تقنيات لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة والأنشطة المنزلية.
- استخدام تقنيات متقدمة لإدارة النفايات بشكل فعَّال، مثل تحويل النفايات إلى طاقة أو مواد قابلة لإعادة التدوير.
- تطوير تكنولوجيا لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في الصناعة والمباني ووسائل النقل.
- دعم البحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين.
- تطوير تكنولوجيات فعَّالة لتخزين الطاقة على نطاق كبير، مما يعزِّز استقرار الشبكات الكهربائية.
- تطوير تقنيات لتحسين كفاءة تحلية المياه لتلبية احتياجات المياه في المناطق الجافة.
- استخدام تكنولوجيا مراقبة وتحسين جودة الهواء، مثل أنظمة تصفية الهواء وتقنيات تخفيض انبعاثات الملوثات.
- تعزيز تطبيق تكنولوجيا الزراعة المستدامة لتحسين إنتاج الغذاء بطرق صديقة للبيئة.
- استخدام التكنولوجيا في نظم الرصد والتنبؤ بالكوارث الطبيعية لتحسين استعداد واستجابة الحكومات والمجتمعات.
- تطوير تقنيات البناء المستدامة التي تقلل من الآثار البيئية للمباني والبنى التحتية.
- تحسين التخطيط الحضري وتطوير مدن مستدامة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وتقديم الدعم والحوافز المالية للمطورين والمستثمرين في مجال التخطيط الحضري المستدام. تحسين التخطيط الحضري يعتبر إحدى الخطوات الرئيسية نحو الاستدامة البيئية والتصدي لتأثيرات التغير المناخي، وذلك من خلال تطوير مدن مستدامة لتقليل الانبعاثات الكربونية يتوفر بها ما يلي:
- نظم فعالة لوسائل النقل العامة، تقلل من استخدام المواطنين لوسائل النقل الخاصة، ومسارات لركوب الدراجات لتشجيع استخدام وسائل النقل الصحية وغير الملوثة.
- معايير بناء تعتمد على تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
- إتاحة المزيد من المساحات الخضراء، وتقليل الاعتماد على السيارات.
- استخدام التكنولوجيا الذكية في إدارة المرور، وتوفير الطاقة، وتحسين الخدمات الحضرية.
- إعادة تطوير المناطق الصناعية القديمة لتحقيق استدامة بيئية واجتماعية.
- تعزيز التوعية حول تأثيرات التغير المناخي وكيفية التكيف والتخفيف، وتضمين مواضيع التغير المناخي في المناهج التعليمية.