خالد بن حمد المالك
لا شيء يشغل ذهن العالم أكثر مما تشغله الحروب، ولا شيء ينغّص على سكان المعمورة حياتهم مثلما تنغّصها عليهم مشاهد القتل دون رحمة أو مبرر أو قانون يجرّم ما يقوم به المجرمون، تشهد بذلك حرب الإبادة في قطاع غزة التي تقوم بها إسرائيل ضد مدنيين أبرياء أمام أنظار العالم.
* *
واستثناءً مما يرفضه العقلاء، هناك غيرهم مَن لا يرى في قتل الأبرياء مشكلة، أو ضرورة للتدخل منعاً لها، وأعني بذلك من يمد المجرمين القتلة بالسلاح والمال، والدعم السياسي، ويسمحون بذلك، غير عابئين أو مكترثين للأصوات التي تطالب بحمايتهم من القتلة.
* *
لا أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا محاكم جنائية تقوم بما هو مطلوب منها لإيقاف هذا النزيف من دماء الأبرياء في عدد من الدول، لأن للدول الكبرى مصلحة في إشعال الفتن والحروب، ثم التدخل فيها لصالح طرف ضد الطرف الآخر.
* *
وبذلك فإن العالم سيظل في حالة حروب لا تنتهي، ما بقيت هناك مؤامرات، وأهداف مشبوهة، وعمل لمخططات خبيثة، حتى وإن ادعى هؤلاء المساندون للحروب، أو مشاركون فيها، بأن لا علاقة لهم بهذا الذي يُجرّم فاعله لو كانت هناك عدالة في التعاطي مع هؤلاء بالجرم المشهود، والتعامل مع ما يعلنونه من تحريب وفق القانون.
* *
لا ضمير، ولا عدل، ولا إنسانية، ولا مبرر لديهم حتى يمكن للعقلاء أن يفهموا ويتفهموا أسباب هذا السلوك المشين منهم، هي مصالح وأهداف ومؤامرات أبعد ما تكون عن إحقاق الحق، وفاصل مظلم في مسيرة دموية طويلة تقوم على ظلم الكبار لمن هم أقل قدرات، معززين جرائمهم بمثل ما يفعلونه الآن.
* *
وما من أحد من العقلاء مهما ارتفعت أصواتهم، وكرروا التنديد بهذه الجرائم، وطالبوا بالعدول والنأي بالنفس عنها، يملكون القدرة على احتواء هذه الحروب الدامية، أو تهدئتها، أو البحث عن مخرج لها، إنقاذاً للأبرياء منها، وتحريرهم من قبضة المعتدين.
* *
وهذه المشاهد التي تدمي القلب حقاً، وتصدم الإنسان الحر الشريف، أتساءل كيف لا تكون كذلك ونحن أمام جبروت الطغاة، وحروب القتلة، وظلم ذوي معدومي الإنسانية، دون وجود مؤشر لنهاية سلمية بعد كل هذه المجازر، أو انتظار لما هو أفضل، في ظل إصرار المهيمنين على القرارات الدولية على منع أي حلٍّ لأي مشكلة تتصاعد آثارها.
* *
دلوني على ما يبعث على التفاؤل، ويؤكد أننا على موعد مع نهاية سارة ومفرحة لهذه السلسلة الطويلة المؤرقة من الحروب، وأن سريان المعالجات لما يحدث قد بدأ الآن أو أنه سيبدأ، حيث لم تعد هناك منطقة آمنة، أو دولة غير مهددة في أمنها واستقرارها ومستقبلها، بدليل ما يحدث الآن في عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم.
* *
لا ندري حقيقة إلى أين يسوقنا هؤلاء، ونحن بين أُتون معارك طاحنة، وحروب شعواء، ومصانع لا تتوقف عن إنتاج المواد المدمرة والأسلحة الفتاكة، وتكسب من ورائها المال القذر، لا من أجل أن تحمي بها نفسها من غدر واعتداء من يريد أن يعبث بأمنها واستقرارها، وإنما من أجل العدوان، وقتل الناس، وتجريف الأراضي، وهدم المدن وإزالتها، بدلاً من تعميرها.
* *
هذا هو العالم اليوم، الدول الكبرى هي من وضعت الإنسان في فوهة بركان مدمر بانتظار مصيره، فإن لم يُقتل بالسلاح قُتل بالتجويع، ومُنع عنه الدواء والغذاء والماء، وويل لمن يجرّم ما تقوم به الدول الكبرى، والويل إن عارضها مُعارض ولو بالكلام اللين الهين على ما تفعله من تدخلات في حروب لا مبرر لها.
* *
الوضع سيظل هكذا، فموازين القوى هي من تصنع الأحداث المسيئة لحياة الإنسان، والقوة هي من تتسيد المشهد الدامي وليس العقل ولا المنطق، وهي من يقتل الأبرياء، وهي من يقوّض الأمن، وهي القوة لا غيرها من وضع العالم على كف نار لم تتوقف، فهل تفهم أمريكا ذلك ومتى؟!