د. عبدالعزيز بن حمد القاعد
الاستعراض الدوري الشامل (UPR) أحد آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حيث تُدعى كل دولة عضو في الأمم المتحدة إلى عمل استعراض لسجلها في مجالات حقوق الإنسان من قِبل الدول الأقران مرة كل أربع سنوات بحيث يتم استعراض 48 دولة كل سنة بالإضافة إلى استعراض جميع الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان والتي يبلغ عددها 47 دولة أثناء فترة عضويتها. تم إنشاء الاستعراض الدوري الشامل من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2006 بموجب القرار 251/ 60 بهدف تشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تعزيز وحماية حقوق الإنسان ودعمها وتوسيع نطاقها في كل البلدان الأعضاء. وبناءً على هذا القرار تم تكليف مجلس حقوق الإنسان بإجراء استعراض دوري شامل لكل دولة عضو يستند إلى معلومات موثوقة ودقيقة وشفافة تلتزم بها الدول في حماية وتعزيز حقوق الإنسان بحيث تقدم كل دولة تقريراً عن الإجراءات التي قامت بها من أجل تحسين سجل حقوق الإنسان داخل الدولة وكذلك تجاوز التحديات التي تمنع التمتع بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى استقبال التوصيات من قبل الدول الأطراف وكذلك التقارير السابقة بغية العمل على تحسينها.
يعتبر العام 2008 بداية الانطلاق للاستعراض الدوري الشامل، حيث تم فيه استعراض جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 دولة ثلاث مرات حتى الآن. أما الاستعراض الدوري الشامل للفترة الرابعة فقد انطلق في نوفمبر 2022 في سياق الدورة الـ 41 للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل. الجدير بالذكر، إن هناك فريقاً عاملاً معنيٌّ بالاستعراض الدوري الشامل ويتكون من الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان (47) دولة، مع العلم أنه يمكن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة المشاركة في الحوار والنقاشات مع الدولة المعنية بالاستعراض. في حين كل دولة يتم استعراضها بمساعدة فريق يتكون من ثلاث دول «الترويكا»، حيث يتم اختيار الدول الثلاث بالقرعة من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان قبل انطلاق كل دورة للفريق العامل. الاستعراض الذي تقدمه الدول يشمل معلومات تقدمها الدولة بالإضافة إلى تقارير خبراء وفرق مستقلة خاصة بحقوق الإنسان يُطلق عليهم «المقررين الخاصين»، بالإضافة إلى مايرد من الهيئات المُنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان، مع مايصل من معلومات من الأطراف أصحاب المصلحة كمنظمات المجتمع المدني والجهات المعنية بحقوق الإنسان.
من جهة ثانية، وأثناء الاستعراض الدوري الشامل من قِبل الدولة المعنية تتعزز النقاشات والحوارات التفاعلية مع الفريق المعني بالتقرير الدوري الشامل، كما ويمكن للدول الأخرى المشاركة في النقاشات وطرح الآراء والتوصيات مع قيام الترويكا بجمع جميع الملاحظات الهامة والأسئلة وتتقاسمها مع الدولة المعنية بالاستعراض ويستغرق هذا الاستعراض ثلاث ساعات لكل دولة. كما وأن أصحاب المصلحة كمنظمات المجتمع المدني تدلي بدلوها في تقديم معلومات ومشاركة المناقشات وقد تستعين الدولة المعنية بالاستعراض بهذه المعلومات الواردة.
علاوة على ماذُكر، فإن الاستعراض الدوري الشامل يهدف على وجه الخصوص إلى تأكيد جدية الدولة في احترام وتطبيق حقوق الإنسان من خلال ما التزمت به وصادقت عليه من معاهدات ومانص عليه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى البرامج والالتزامات الاختيارية التي التزمت بها الدول وتخص حقوق الإنسان. أما نتائج الاستعراض الدوري الشامل للدولة المعنية فتصوغه الترويكا بالتعاون مع الدولة المعنية بالاستعراض وبمساعدة المفوضية السامية لحقوق الإنسان «نتائج التقرير» بحيث يشمل مختصراً لوقائع المناقشات وكذلك الأسئلة والتعليقات والتوصيات التي قدمتها الدُول للدولة المعنية بالتقرير. ويحق للدولة المعنية بالتقرير قبول أو رفض التوصيات الواردة في التقرير مع حقها في الرد الأولي مع الفريق العامل المعني على الملاحظات والتوصيات الواردة قبل اعتماد تقرير النتائج، وبعد الاعتماد يمكن للدولة المعنية بالتقرير إدخال تحسينات أو إضافات في الصياغة والبيانات خلال الأسبوعين التاليين للاستعراض. اللافت للنظر أنه على الدولة المعنية بالتقرير تحمل مسؤولية تنفيذ التوصيات عند الاستعراض القادم بحيث تقدم معلومات عما تم بصدد التوصيات المطروحة عليها، وفي حال عدم الاكتراث في تقديم إجابات شافية فإن مجلس حقوق الإنسان سيقوم باتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة مثل هذه الحالات.
وفي هذا السياق، شارك وفد المملكة برئاسة معالي الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري، رئيس هيئة حقوق الإنسان في السابع والعشرين من يناير 2024، بتقديم الاستعراض الدوري الشامل للمملكة لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ 45، وهي الجولة الرابعة للمملكة، وقد سبقتها مشاركة المملكة في الجولة الثالثة وذلك في العام 2018، حيث أكدت معاليها في البيان الافتتاحي أن المملكة قد قطعت شوطاً طويلاً ولله الحمد في الإصلاحات في كافة مجالات حقوق الإنسان ضمن رؤية المملكة 2030 والتي واكبت المستجدات التنموية الدولية والتي محورها الإنسان وفي كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مُوضحة أن الإصلاحات شملت الجوانب التشريعية والقضائية والتنفيذية والإجرائية في جوانب حقوق الإنسان المتعددة والتي فاقت المائة إصلاح. كما وأكدت حرص المملكة العربية السعودية أشد الحرص على حماية وتعزيز حقوق الإنسان على كل المستويات، حيث نصت المادة 26 من النظام الأساسي للحكم على أن «الدولة تحمي حقوق الإنسان وفقًا للشريعة الإسلامية»، وكذلك من خلال الجهود الجبارة التي تقوم بها هيئة حقوق الإنسان والجهات المحلية ذات العلاقة. ولعله لايخفى على القاريء الكريم حجم هذه الإصلاحات سواء في الجوانب المتعلقة بالمرأة أو الطفل أو كبار السن وكل مايتعلق ببيئة العمل مع التأكيد على إلزامية التعليم من سن 6-15 سنة مع إتاحة الفرصة لمواصلة التعليم لمن يرغب كأساس مُمنهج لتحقيق استدامة التنمية.
تجدر الإشارة إلى أن الاستعراض الدوري الشامل للمملكة لاقى ترحيباً واسعاً وأصداءً عالمية وإشادة قوية بما تحقق من إصلاحات ولما قامت به المملكة من تنفيذ ما طُلب منها من توصيات في جولة سابقة. كما وأثنت العديد من الدول على التقدم المتحقق في مجالات حقوق الإنسان بالمملكة. أجزم أن كل هذه الجهود لم تتحقق إلا بفضل من الله، ثم بجهود القائمين على الهيئة بكافة مستوياتهم من خلال إجراءات علمية واضحة ودقيقة تُؤطر لنموذج فاعل وواعد تساهم في إنجاح خطط الهيئة، وتخدم بشكل مباشر تحركها للأمام في إنجاز طموحاتها المؤسسية الهادفة لدعم حقوق الإنسان وترسية قواعده، مستمدين الدعم والتشجيع الكامل من مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد يحفظهم الله.
**
- عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان