د.شريف بن محمد الأتربي
يومان عاديان في تاريخ العالم كله ربما لا يهتم بهما إلا عدد محدود من البشر قلَّ أو ندر.
في أولهما ولدت أختي وزميلتي وأخت زوجتي المرحومة بإذنه تعالى نهلة محمد طه، لن أثني عليها فثنائي وإن زاد ظل تقصيراً في حقها، فهي الأخت والأم والصديقة والملاذ الآمن للجميع، للجميع بما تحتويه الكلمة من محيط المكان والأشخاص، فقد عمَّ خيرها الفكري والنفسي قبل خيرها المادي الجميع، ولا استثني منا أحداً، فهي في المواقف سيدة الجميع، وفي الدعم سابقة الجميع، هي ملاك عاش بيننا ليرسل رسالة تسامح لكل من حوله، أصابها المرض فصبرت، وشكرت، لم تقل ولم تبح أبداً بشكواها سوى لله تعالى، ورغم شدة المرض وألمه في أيامها الأخيرة إلا أنها ظلت كما هي شامخة ولم ترقد إلا للقاء ربها سبحانه وتعالى، كان بيتها مفتوحاً للقاصي والداني، لم تغلق باباً في وجه أحد وكان الجميع لديها مصدقاً، حتى وإن حذّرناها منه فتقول: لنا الظاهر.
إنها نموذج من عالم آخر عالم لا وجود فيه سوى لنهلة ومن مثلها وهم قليل. مهما كتبت وقلت لن أوفيك حقك أختاه فالدمع لم ولن يجف على فراقك حتى نلتقي تحت عرش الرحمن.
أما ثاني الأيام فهو ميلاد أمي -رحمها الله - فايزة محمود إسماعيل قابيل، الصابرة المحتسبة الراضية، فقدت أباها صغيرة وتغرَّبت عن دارها تربت تحت ظل جدتها الصارمة ورغم ذلك نجحت وبتفوق في مسيرتها العلمية والعملية، تزوجت من أبي -رحمه الله - فانتقلت من تحمّل مسؤولية نفسها إلى تحمّل مسؤولية قرية بأكملها، فقد كان أبي يمثِّل كل القرية ومرجعيتها في القاهرة وكل من أراد الزيارة كان منزلنا وجهته المختارة، بدأت رحلة المرض مبكراً، باستئصال رحم وتلاه ما تلاه ورغم ذلك صبرت وتحمّلت، توفي أبي فكانت هي الأب والأم، هي العالم الذي ندور في فلكه، ورغم دوران الأيام لم نلحظ فارق في معيشتنا فقد حرمت نفسها لنظل كما كنا، تحمّلت الكثير والكثير من أجلنا، بل تحمّلت جفاء البعض منا ورغم ذلك لم تشتكي كانت وإن بلغت الثمانين وزيادة قبل وفاتها تحسها طفلة في الثانية عشرة من عمرها، تفرح بقدومي وتسعد بخدمتي بنفسها لم تتوقف عن دعمي حتى وإن بلغت من العمر عتيا، جئتها زائراً على حين غفلة لتكون لحظات خروج الروح بين يدي كأنها كانت تستودعني روحها.
رحمك الله أماه كنت عالم داخل العالم.