د. نايف هشال الرومي
بدأت حياتي العملية بوظيفة معلم، حيث عملت 9 سنوات في مدرسة ابتدائية في حي البطحاء في مدينة الرياض، ثم مشرفاً تربوياً وبعد عودتي من البعثة عملت مساعدًا لمدير عام التعليم بمنطقة الرياض للبنات عام 1424هـ. كل هذه الخبرات جعلتني أعرف وبعمق دور المعلم الكبير، وحجم العمل والمسؤولية عليه فضلاً عن مستوى الثقة المعطى له. هذه الخبرة العملية جعلتني أتعرف ليس فقط على حجم الإخلاص والأدوار التي يقوم بها المعلمون والمعلمات وقيادات المدارس لتحقيق أهداف التعليم، بل أيضاً دورهم في متابعة الطلاب وتوجيههم وبذل الجهد لمساعدتهم وخاصة الطلاب الأقل تحصيلاً منهم.
إن الدور المهم والكبير الذي يقوم به المشتغلون بالتعليم وقيادات المدارس جعلهم ومنذ بدايات التعليم يحظون بتقدير عالٍ على كافة المستويات المجتمعية، وعلى وجه الخصوص المعلمين، ليس فقط تقديراً لجهودهم ونشاطهم مع طلابهم، بل أيضاً لدورهم في نقل المعرفة والمهارات والقيم، فضلاً عن التوجيه والتحفيز ومساعدة الطلاب ليكتشفوا أنفسهم. المعلمون هم المحور الأساس الذي يقود عملية التعليم والتعلم داخل المدرسة ويحقق أهداف التعليم، ويسهم في بناء شخصية الطلاب وخاصةً في المرحلة الابتدائية والمتوسطة.
منذ أن بدأ التعليم غير الرسمي أو النظامي والمعلمون ينظر إليهم على أنهم من أهم المدخلات التعليمية، ولذلك نجد الكثير من الأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة تحرص كل الحرص على اختيار من يدخل إلى مهنة التعليم، بل إن عددًا من هذه الدول مثل فنلندا واليابان وكندا وأستراليا تضع اشتراطات عالية للدخول إلى مهنة التعليم سعياً للحصول على معلمين ذوي جودة عالية. إن المشكلة الأساسية التي تعاني منها بعض الأنظمة التعليمية هي في نوعية المعلمين وجودة أدائهم، وكما يقال: من السهل توظيف أشخاص قادرين على حفظ النظام داخل الفصول ولكن ليس من السهل أن تجد معلماً يقوم بعمل التدريس والتعليم داخل الفصل.
المعلمون في كثير من دول العالم أثناء وبعد كوفيد 19 تعرضوا لضغوط كبيرة جداً، حيث يشعر المعلمون ونتيجةً لهذا الضغوط بالتوتر والإرهاق لدرجة أن الكثيرين منهم يشعرون بأنهم لم يعودوا قادرين على أداء مهامهم، ففي دراسة أجريت عام 2022 ذكرت أن 48 % من المعلمين الذين أجريت عليهم الدراسة يفكرون بالتقاعد. إن الذي يعرف جيداً مهنة المعلم يعرف أن أغلب المعلمين ولا أبالغ إذا قلت إن ما بين 80-85 % منهم يقدمون وقتهم وطاقتهم والكثير من صحتهم لأجل طلابهم، وهذا يتم في الأوقات العادية، أما أثناء وبعد كوفيد 19 صار العبء عليهم أكبر وأشد، لدرجة أنهم أصبحوا متعبين جداً من كثرة المتطلبات، وبالتأكيد يزداد الوضع سوءاً على التعليم بشكل عام والمعلمين والطلاب بشكل خاص إذا زاد عدد المتقاعدين منهم دون أن يكون هناك تعويض كافٍ يقابل هذا الانسحاب.
إن الأمر الذي ليس فيه جدال أن زيادة عدد المتقاعدين دون أن يقابله بدلاء يعد معضلةً على واقع التعليم، إلا أن المعضلة الكبرى أن يتقاعد المعلمون المميزون، المعلمون ذوو الخبرة بشكل عام والمميزون منهم بشكل خاص صعب إيجاد بدلاء لهم لأن مهنة المعلم ليست مهنة مثل بقية المهن ولا ينبغي أن ينظر إليهم على أنهم مجرد موظفين.