عبدالله إبراهيم الكعيد
أول مرة سمعت فيها مفردة (كادر) في عام 1975، كنت حينها في قمة توتري وأنا أقبع بالاستوديو الوحيد في محطة تلفزيون الرياض التي كان يحلو للبعض تسمية مبناها بـ(الصندقة). كنت أتهيأ أمام الكاميرا قبل لحظات من سماع موسيقى شارة برنامج (العيون الساهرة) الذي شاركت في تقديمة حتى العام 1981. كان مخرج البرنامج يوجّه المصوّر بصوت مسموع أن يُعدّل الكادر لأنه فيه (هيد روم) أي مسافة علوية غير مناسبة.
إذاً، ما هو الكادر؟
أجمع خبراء التصوير على أن الكادر هو الإطار العام للصورة ثابتةً كانت أم متحرّكة والذي يحوي في داخله المكونات المرغوب إبراز كل تفاصيلها مما يُظهِر نتائج مُريحة لأعين النُظّار.
الغريب أن ذات المفردة تُستخدم في غير مجال الفنون البصرية مثل قولهم: الكادر الصحي، الكادر الوظيفي أو التعليمي وحتى كادر الضبّاط في الوحدات العسكرية ولا أدري من أين أتى هذا الوصف وأيهما أسبق بالتسمية هل الكوادر المهنية أم كادر الصورة في الفنون البصرية؟
مناسبة الحديث عن الكادر هو تلك الصورة مدار حديث وسائل الإعلام والاتصال في العالم التي وزّعها قصر كنسينغتون بمناسبة عيد الأم في المملكة المتحدة وتظهر فيها أميرة ويلز كيت ميدلتون مبتسمة يحيط بها أولادها الثلاثة. كان الهدف من نشر الصورة تطمين المجتمع البريطاني على صحة زوجة وريث العرش ووضع حد للشائعات التي انتشرت بعد غيابها عن المشهد العام منذ خضوعها لعملية جراحية في البطن. الصورة أتت بنتائج عكسية بسبب اكتشاف تنقيحات وتلاعب في الصورة مما أدى إلى حذفها بعد نشرها من قبل خمس أكبر وكالات عالمية للأنباء.
ما كان داخل كادر صورة أميرة ويلز تم التلاعب به فاكتشفته الأعين الخبيرة وهذا يعطي دلالة هامة على أن للصورة الواحدة تأثير بليغ قد يفوق صفحات من الكلمات. الصورة مهما أُتقن تحريفها الا أن العين الفاحصة تكشف عوارها بينما (بعض) الكلام المنمّق يصعب سبر أغوار نوايا كاتبه أو قائله.
وفي هذا الصدد فإن الذين يعملون في مجال الفنون البصرية يُدركون أهمية ما (يُصنع) داخل كادر الصورة وأن يحتوي على ما يُراد إبرازه فقط إما ما يقع خارج حدود ذلك الكادر فهو لا يعنيهم. على سبيل المثال لا الحصر تلك الصور التي تروّج لموقع سياحي معيّن، يقوم المصوّر أو مصمم الإعلان في الغالب بتزيين وتجميل المشهد الذي تم اختياره بعناية كمنظر المياه الجارية أو الورود والزهور والمسطحات الخضراء وكثير من التفاصيل وهو في حقيقته (أي الموقع) قد يكون فقيراً من النواحي الجمالية كما ظهر داخل كادر الصورة أو المشهد.
في دراسة نُشرت في لندن أعرب 22 % من البريطانيين الذين شملتهم الدراسة عن عدم ثقتهم بمصداقيّة ما يُشاهدونه من صور ولقطات على شاشات التلفزيون. الذين يُزينون ما بداخل الكادر يودون أن يُصدّق الرائي ما يظهرونه وليس ما يوجد على أرض الواقع، لهذا فُقِدتْ الدهشة.