عطية محمد عطية عقيلان
نهاية العام الميلادي وبدايته، تحتل شاشات التلفزيون وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي، آراء وتوقعات «المنجمين»، الذين تطوروا في طريقة اللبس والتقديم، فلم يعودوا يستخدمون البلورة والبخور والنفخ على النار، بل طالهم التحديث والأناقة واستخدام التكنلوجيا، وتوسعت ادعاءاتهم، حسب ما يجذب المتابعين، فتحولوا إلى جامعة (وإن كانت وهمية) تشمل كافة التخصصات، يتنقلوا بكل ثقة فيها، بدءاً من السياسة ومن ثم الاقتصاد، وبخفة الريشة إلى الرياضة، ومن ثم إلى الفن والشخصيات العامة، وما يميزهم مستوى الثقة العالي والصمود كل سنة، ورغم انكشاف بعضهم، بتلقي أموال من أجل طرح تنبؤ لمصلحة الراشي لهم، بل من مظاهر الاستخفاف بعقول المتابعين لإيهامهم بدرجة مصداقية ما ادعوه، طرح تنجيمهم السابق وإسقاطه على أحداث وقعت، علماً بأنهم في كثير من الأحيان لا يتعدون فكرة المحلل، والذكي فيهم من يتابع الأحداث وآراء المحللين والعلماء، ومن ثم يتم طرحها كحدث مستقبلي سيحصل وكأن لديه قوة خارقة برؤية المستقبل، علماً أن هناك سؤالاً بديهياً ومنطقياً، إذا كان لديهم القدرة على التنبؤ والتنجيم خاصة في الأحداث الاقتصادية، لماذا لا يستفيدون من هذه المعلومات لزيادة أموالهم والاستثمار حسب ما يدّعون، لذا عزيزي القارئ، تنبه جيداً أن التوقع والجزم بما سيحصل، هي قدرة لله سبحانه وتعالى وغير ممكنة للبشر، ولكن تستطيع متابعة الأحداث وبالقراءة المستفيضة، تساعدك على قراءة المستقبل وفهم وتوقع ما سيحدث، وكما يُقال دوماً «كذب المنجمون ولو صدقوا»، وللعلم هؤلاء المنجمون الجدد، تزداد فائدتهم المالية بكثرة المتابعين والمبالغ من جراء المقابلات التي يجرونها، والشهرة التي حققها بعض الأسماء في عالم الدجل والتنجيم، وسهولة النشر على منصات التواصل الاجتماعي، على ظاهرة تحول التوقعات إلى تنجيم وجزم بما سيحدث، وجلهم يستخدم العاطفة لجذب أكبر عدد من المتابعين، رغم حصول عكس ما يتوقعون، وتحولت مهنة التنجيم إلى صنعة، ولكن بدون أي معايير علمية أو أخلاقية تحكمها، بل صنعة مضرة وتغرر وتؤثر على البعض في اتخاذ قرارات، جراء تصديق لذاك الدجال والمنجم.
خاتمة: في التراث هناك قصة طريفة، لدجال أو منجم أو ساحر سمه ما شئت، طلب الدخول على الوالي، ويدّعي بأن لديه القدرة للتنبؤ على المستقبل ومعرفة ما سيحدث، فأمر بقتله، من باب إذا كان يعرف المستقبل سيهرب وينجو من القتل، ولكنه كان في انتظار قدره الذي لا يعلمه إلا الله، وهناك قصيدة من روائع المتنبي يسخر فيها من المنجمين، الذين نصحوا سيف الدولة بعدم خوض تحريم التنجيم لأن طالع النجوم يخبرهم بالهزيمة في هذا الوقت من السنة، منها هذه الأبيات:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً لَيسَت
بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ