فضل بن سعد البوعينين
خمسون عاماً مضت على واحدة من أجمل قصص التنمية الصناعية والمدنية السعودية في مدينتي الجبيل وينبع، حين تمكنت الهيئة الملكية للجبيل وينبع من تشييد أعظم مشروعات البتروكيماويات في العالم، وأجمل المدن الحديثة التي تفوقت في جودتها، وتكامل خدماتها، على كثير من الدول الغربية الحديثة ما أهلها للفوز بعدد من الجوائز العالمية.
قصة نجاح مُلهمة، عكست رؤية القيادة، وقدرة الكفاءات السعودية على بناء أحد أعظم المشروعات العالمية الكبرى في قلب الصحراء. حُقّ للهيئة الملكية الاحتفال بيوبيلها الذهبي، وإنجازاتها المتحققة خلال الخمسة عقود الماضية وإطلاق هويتها الجديدة التي تتطلع من خلالها دخول مرحلة مهمة من مسيرتها المتميزة، وصناعة المستقبل واستنساخ نجاحها في مدنها الجديدة في رأس الخير وجازان.
حفل بهيج برعاية وحضور سمو أمير المنطقة الشرقية، الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، وحضور عدد من أصحاب السمو الأمراء، والمعالي الوزراء، و قيادات الهيئة الملكية والمنظومة الصناعية، وشركائها، عنوانه الوفاء لقيادات الهيئة الملكية ولكل من ساهم في مسيرتها الطويلة.
البناء على قاعدة النجاح هو ما تحتاجه الهيئة الملكية اليوم، في الجانبين المدني والصناعي. استثمار مخرجات النجاح الحالية لخلق مزيد من الإنجازات المعززة لرؤية 2030 والبدء في مرحلة جديدة من البناء والإبداع والتنمية المتميزة في الجانبين المدني والصناعي، هو ما نتوقع حدوثه مستقبلاً. وإذا كان مسار مدينتي جازان ورأس الخير واضح المعالم، وفي بداية الانطلاقة الضامنة للنمو والتوسع، فمدينتا الجبيل وينبع ربما احتاجتا لفتح مسارات اقتصادية جديدة، لتحقيق التنوع الاقتصادي وخلق مزيد من النمو المستدام، بالإضافة إلى مسارهما الصناعي الرئيس.
ففي الجانب المدني، يمكن تحويل مدينة الجبيل إلى وجهة سياحية مستفيدة من مقوماتها الفريدة المعززة للسياحة، ولتكون الوجهة المفضلة للسائحين من داخل المملكة وخارجها. جودة البنى التحتية، المرافق، الشواطئ الجميلة، الجزر العذراء القريبة من الساحل والتي يمكن تحويلها لمواقع سياحية متميزة شبيهة بمشروعات جزر البحر الأحمر، والخدمات الراقية من أهم محفزات طالبي السياحة والاستجمام، والباحثين عن الأنشطة الرياضية، والبحرية، وهي متاحة على أعلى المستويات في المدينة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك مشروع صندوق الاستثمارات العامة THE RIG المزمع تنفيذه بالقرب من جزيرة جريد، القريبة جداً من سواحل الجبيل الصناعية، فمن المتوقع أن تتحول الجبيل إلى منصة سياحية لوجستية داعمة للمشروع، ما يعزز القطاع السياحي فيها.
سياحة المعارض من أهم محركات السياحة، وهي من مستهدفات رؤية 2030 والهيئة الملكية قادرة على لعب دور مهم في تحفيز قطاع المعارض والمؤتمرات في مدنها، وبخاصة مدينة الجبيل الصناعية التي تمتلك جميع مقومات سياحة المعارض.
الاهتمام بهذا الجانب يفتح أمام الجبيل الصناعية باباً واسعاً لسياحة المؤتمرات والمعارض، ويعزز اقتصاد المدينة والاقتصاد الوطني، ويحقق التنوع الاقتصادي المأمول.
أما التنمية الصناعية فيمكن التوسع فيها من خلال قطاع الصناعات التحويلية، وهو من القطاعات المستهدفة بالتنمية. نجاح الهيئة الملكية في احتضان الصناعات الأولية يعزز قدراتها على خلق قطاع كفء للصناعات التحويلية، التي تعتبر قاعدة التحول الاقتصادي من خلال خلق قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة تسهم في زيادة الإنتاج المحلي، وتلبية الطلب وتحقيق الاكتفاء من السلع، وتعظيم الصادرات وتنويع قاعدة الإنتاج، إضافة إلى قدرتها الفائقة على بناء قاعدة عمالية محترفة، ونشر ثقافة العمل والإنتاج الصناعي، وخلق سوق محلية لتعزيز الطلب على المنتجات البتروكيماوية الأولية.
استكمال سلسلة الإنتاج الصناعي وبما يحقق القيمة المضافة للاقتصاد أمر غاية في الأهمية. أكثر من 85 في المائة من المواد البتروكيماوية الأساسية يتم تصديرها للخارج، ما يفقد الاقتصاد فرصاً استثمارية مرتبطة بتوطين الصناعات التحويلية وتنويع قطاعات الإنتاج. ومع وجود المناطق الاقتصادية الخاصة في رأس الخير وجازان، يمكن فتح أبواب الاستثمار الأجنبي والصناعات التحويلية وتوفير حزم الدعم لها وبما يسهم في بناء القطاع والوصول به إلى التنافسية العالمية كما حدث من قبل في الصناعات البتروكيماوية الأولية. موانىء مدن الهيئة الملكية يمكن استثمارها في تنشيط الحركة التجارية، وتعزيز الصادرات، وفتح خطوط بحرية لتعزيز تجارة إعادة التصدير، خاصة في ميناءي مدينتي رأس الخير، وجازان للصناعات الأساسية والتحويلية.
تحفيز الاستثمارات في قطاع الصناعات التحويلية في مدن الهيئة الملكية أمر غاية في الأهمية لمواصلة النجاح وتنويع مصادر الاقتصاد وخلق سوق محلية للمنتجات الأولية، لتعزيز الطلب المحلي عليها من جهة، وتحقيق القيمة المضافة للمنتجات البتروكيماوية.
فرص استثمارية وتنموية مختلفة تدعمها بنى تحتية متكاملة في مدن الهيئة الملكية، ورؤية إستراتيجية قادرة على تحقيق مزيد من النجاحات، المتوافقة مع أهداف رؤية 2030. بإذن الله.