م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الروس هم أول من اخترع مصطلح (إنتلجنسيا) في القرن التاسع عشر.. وكانوا يعنون به المفكرين الذين يهتمون أساساً بنقد السلطة القائمة.. ويلعبون أدواراً رئيسة في الحركات الثورية.. ثم توسع التعريف ليشمل المفكرين ذوي النزعة الانتقادية والتقدمية ويتخذون مواقف الاغتراب والانفصال عن المجتمع.. ثم تم التوسع أكثر ووُصِف بالإنتلجنسيا كل الذين يعملون في مهن غير يدوية.
2 - عَالِم الاجتماع الأوروبي (موسكا) اعتبرهم جماعة مستقلة تقف موقفاً وسطاً بين البرجوازية (طبقة ملاك وسائل الإنتاج) والبروليتاريا (طبقة العمال).. ويتحولون إلى نواة لنخبة جديدة لكنها مهمة، لأنها تلعب في العادة أدواراً كبرى في حراك المجتمعات وتطورها.. فأغلبهم لا يحسبون حساباً إلا للصالح العام حتى لو ضحوا بأنفسهم.. فهم الفئة الأقدر على التحرك باستقلال لتحقيق المصالح الاجتماعية.
3 - في العموم هناك خلط بين المثقفين (Intellectuals) والإنتلجنسيا.. وتم التمييز بينهم بأن الإنتلجنسيا هم الذين تلقوا تعليماً جامعياً أهَّلهم للعمل في المهن الفنية والإدارية العليا.. أما المثقفون فهم أولئك الذين يسهمون في ابتكار الأفكار ونقدها، وتشمل هذه الطائفة العلماء والفلاسفة والمفكرين.. ويشتركون مع الإنتلجنسيا في نقد الأوضاع والأفكار.
4 - استطاع التعليم نقل ذوي المواهب من طبقات المجتمع الفقيرة إلى أن تكون ضمن النخبة السياسية.. ولو نظرت إلى مجالس النخب العلمية والأكاديمية والبرلمانية والاجتماعية سوف تجد أن طبقة الإنتلجنسيا يمثلون الأغلبية فيها.. فمنهم الكُتَّاب وأساتذة الجامعات والمحامون والمهندسون والعلماء وقيادات العمل في المصانع والشركات ورجال الدولة.
5 - رغم أن مصطلح (الإنتلجنسيا) ابْتُدع تمييزاً للمثقفين ذوي المبادئ التي يقفون دونها، إلا أنه فيما بعد اتخذ منحى آخر في المفهوم العام، وهو أنه يشمل هؤلاء الأشخاص المشغولين بالتفكير بالمشكلات الأخلاقية الكبرى، لكنهم لا يقومون بأي شيء عملي نافع ومفيد لهم ولا لمجتمعهم.. فمثلاً (الإنتلجنسيا) العرب مشغولون في قضايا لا تمس الحياة اليومية للمواطن العام الذي يشقى في كسب عيش يومه ورعاية أسرته، ولكنهم مشغولون بقضايا الإسلام السياسي والقومية والرأسمالية والعولمة وغيرها مما هو خارج نطاق تفكير المواطن العادي.
6 - هنا يبرز التساؤل: من نستطيع أن نصنفه أنه من فئة (الإنتلجنسيا) العربية؟ هل هم الوحدويون، أم القُطْريون، أم الأمميون، أم الحزبيون.. هل هم الثوريون الداعون إلى التغيير حتى لو تصادموا مع المجتمع والدين والسلطة؟ أيضاً، ما هو موقعهم اليوم في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، وثورة المعلومات، وغلبة المصالح، وعولمة العالم بشكل لم يسبق له مثيل؟ إن دور (الإنتلجنسيا) الذي ابْتُدع في القرن التاسع عشر قد تغير كثيراً مع مطلع القرن الحادي والعشرين.. ودورهم أيضاً تحول تحولات جذرية خلال السنين، مما يعني أن مفهوم المصطلح ذاته قد تغير.
7 - ختاماً، ما هو التعريف الحديث لمصطلح (الإنتلجنسيا)، أم يمكننا أن نعده مصطلحاً قد مات؟