علي الخزيم
- يصوم كثير منا الصيام الصّحي أو ما يسميه الأطباء الصيام المتقطع؛ بحيث يُمسك الإنسان عن الطعام والشراب ساعات قياسية خلال اليوم الكامل ويكرر هذا الصيام أياماً خلال الأسبوع طلباً للصحة والعافية البدنية والذهنية وضبط السلوك الغذائي لا سيما عند من تلازمه أمراض مزمنة، هذا نشاط جيد؛ لكن هل نُمارس خلال هذا الصيام سلوكنا الغذائي الاستهلاكي كما في شهر رمضان الكريم لدى كثير من المجتمعات، ولماذا؟
- خلال هذا الصيام تغيب العادات الغذائية الرمضانية؛ لأننا نصوم ساعات أقل من ساعات صيام رمضان الكريم؛ فصيامنا لمجرد طلب الإصحاح البدني ولا نصل خلاله لمرحلة الجوع والعطش التي تدفع الذهن والنفس للتفكير بأصناف الطعام والشراب، ثم يأتي السبب الرئيس وهو تحكُّم التقليد والعادات المتوارثة بالإعداد لوجبة إفطار رمضان المبارك، حتى باتت من سِمَات المجتمعات والأُسر خلال شهر الصوم.
- العادات وتوارث التقليد المُجتمَعِي ألزمَت البعض بتناول ما قد لا يناسبه على مائدة الإفطار؛ حتى أنه ينتظر بفارغ الصبر لحظة رفع الأذان لينقضَّ على الصّنف المُحبب له حتى وإن تسبب باختلال الضغط وارتفاع نسبة السُّكر بالدم، ولا يَستبِين الأمر إلَّا قُرب صلاة العشاء عند بدء المؤشرات على الاعتلال والخلل بتركيز الذهن وتماسك الجسم، ورغم ما يناله من متاعب يكون عند غروب شمس اليوم التالي أول من يقترب للمائدة فيُكرر الهجوم، وهكذا حتى ليلة العيد، وقد لا يكون سعيداً حينذاك!
- لم ينتفع مثل هذا بتجاربه الشخصية؛ ولا مِن الحوارات والنقاشات مع أسرته ورفاقه حول موقفه من الطعام فكل نصائحهم تتبدَّد مع أول تكبيرة مِن أذان المغرب؛ فهو ينساها تماماً كما ينسَى أنه أمام طعام لن يَهرب ولن ينافسه عليه أحد من أسرته، ولم تُفِده نصائح الأطباء خلال مراجعاته وزياراته المتكررة بحثاً عن علاج يُنِهي مُعاناتِه مع بعض الأمراض المزمنة، ولم يدرك أن الطبيب والدواء لا يفيدانه لحل قضيته إن لَم يعمل لنفسه الوقاية اللازمة فهي التَّمهيد للعلاج.
- خلال رمضان الكريم تجد الإصرار من البعض على تناول أصناف من الطعام كان بالإمكان أن يتناولها خلال الأشهر غير رمضان فهي متاحة وغير مُحرمة بغيره، والنفس وشهواتها هي ذاتها بعد العيد فلِم العَجَلة، وبعض الأطعمة تكون بغير زمن الصيام ألطف وأقل ثقلاً على المعدة والجهاز الهضمي، كل ما بالأمر أن نُعمِل التفكير قليلاً ولا نندفع خلف اشتهاء النفس التي تتزايد مع مُضي سويعات الصيام، إذن هي عادات وسلوكيات غذائية ربما تحتاج لتصحيح جذري عند البعض.
- يمكن لك أن تقتنع بعدم صحة سلوكك الغذائي الرمضاني أو أكثر جزئياته حينما تتذكَّر أن ما نفعله لإعداد وجبات رمضان هو تكرار لممارسات الأجداد من أمَد، وهي وإن كانت جيدة وسليمة بالنسبة لهم ذاك الزمن فلا يعني أنها تناسب أوضاعنا بالوقت الحاضر نظراً لاختلاف نمط الحياة وما يناسب أجسامنا خلالها من الأنماط الغذائية، وانزع من ذهنك مسألة الوفاء للأجداد بتتبع طريقة إعداد طعامهم وأصنافه، فالتَّرحم عليهم وبِرّهم بعد موتهم خير من كل ذلك.