ليلى أمين السيف
كيف عاش جيلي والأجيال السابقة قديماً من دون إنترنت ولا حتى أية وسيلة للتواصل سوى هواتف العملة المنتشرة في بعض الأحياء أو مكاتب الاتصالات والتي يمكنك عبرها إرسال برقيات أو فاكس أو تلكس وغيره من أنماط التواصل الإنساني.
إضافة طبعاً إلى هواتف المنزل الثابتة ذات القرص المدور.
قد يتبادر إلى أذهانكم تساؤل: كيف تمكنَّا من القيام بذلك! كيف استطعنا دفع فواتير الإيجارات والكهرباء والمياه وما إلى ذلك.
استيقظت متأخرة على غير عادتي اليوم وفي نيتي المرور على جميع حساباتي الإلكترونية وتصفية المهمل منها والرد على من يجب علي ذلك ثم مسح غير المهم.
فوجئت برسائل «خبيثة» وبالتأكيد الكثير منكم تصله مثلها ولكن البعض للأسف يتهور في الردود فيقع فيما لا يُحمد عقباه.
يبدو أن أبي -رحمه الله وعفا عنه- كان يحب أن يُصنّف الأول في كل شيء. كان أبي -رحمه الله - أول من وقع ضحية للعصابات النيجيرية في عام 1990 ، بل وصل به الأمر إلى أنه صدقهم وسافر لبلدهم هو وصاحب العمل الذي أقنعه أبي وتكلَّف أبي بكل تكاليف السفر لنيجيريا له ولمديره، ومن حسن الحظ قابلا هناك شخصاً لبنانياً نصح والدي ومديره أن يقفلا راجعين وأوضح لهما أن هذه عملية نصب كبيرة رغم توثيقها ظاهرياً من البنوك وغيره من الدوائر الحكومية. عاد والدي ومديره مصحوبين بخيبة أمل كبيرة وبخسارة عظيمة لوالدي.
ثم مع تطور وسائل الاتصال تطورت الحيل عند بني الإنسان فبدأت عمليات التصيّد الاحتيالي عبر البريد الإلكتروني، حيث وللمرة الثانية وقع أبي فريسة سهلة ولكنها مؤلمة هذه المرة، حيث خسر نتيجتها عشرات الآلاف من الريالات رغم محاولاته تبيان الحقيقة للشرطة والمخابرات ومن يهمه الأمر حتى توفاه الله وأُسقطت القضية وهو مُتهم بتهكير الحسابات والتحايل على البنوك وهو الذي لم يحفظ كلمة السر خاصته وحتى هذه اللحظة لم أستطع استرجاعها.
عود على بدء لعلي لم أفاجأ بتلك الرسائل الخبيثة هذا الصباح والتي كانت إحداها تحذرني من فضحي عبر الأثير ونشر تسجيلات مرئية لي كما يدعون إن لم أسارع وأدفع مبلغاً باهظاً إلى محفظة البيتكوين الخاصة بهم. ورسائل كثيرة مزعجة مما يضطرني يومياً للتبليغ عن واقعات الاحتيال لعلي أنفع غيري عند التبليغ.
وبالأمس وقبله وقبله تصلنا جميعاً بالتأكيد رسائل إعلانية مكررة وممررة للعديد منا والكثير يعيد إرسالها متأملاً أنه الفائز رغم التحذيرات في كل مرة ورغم أن من يمرر هذه الرسائل هم نُخب المجتمع وصفوته ولكنهم للأسف مثل أبي -رحمه الله - انطلت عليهم الحيلة.
لقد أصبحت للأسف حياتنا مرهقة ومنهكة. فمن ناحية علينا أن نتحلَّى بالذكاء والبديهة لتصنيف أمثال هذه الرسائل والحرص على عدم الوقوع في الفخ.
ومن ناحية أخرى لا بد لنا من المتابعة الدورية للبريد لإنجاز الكثير من المعاملات مع الحرص على عدم الوقوع في المصائد الإلكترونية.
انشغلت قليلاً الأيام الماضية ففاتني أمور واستبانات كنت أعتبرها مهمة ولم أستطع إنهاءها، حيث انتهت مدتها المقررة ولكن ألهمني هذا الانشغال بكتابة مقالي هذا.
أحسد أولئك الذين لا يعلمون ماذا يجري حولهم وفي ذات الوقت لا يهتمون بكل هذه التعقيدات. بالطبع هذا الصنف من الناس سيكون من جيلي والأجيال السابقة ما عدا ذلك فإن الأجيال اللاحقة ستكون حياتها كلها مصحوبة بتعقيدات إلكترونية ومادية، نسأل الله أن يعينهم عليها. ورغم أن هذا الأمر في ظاهره يبدو وكأنه وسيلة لتسهيل حياتنا لكنها في ذات الوقت كبلتنا من نواح عديدة.
الإيميل الذي كنت استخدمه منذ عام 1999 أصبح الآن وفجأة لا يتسع للصادر والوارد رغم مسح جديده وقديمه وحسب زعم شركة مايكروسوفت لا بد من شراء مساحة كافية تتسع لبريدي.
و أما اليوتيوب الذي كنا نشاهده بالمجان زمناً طويلاً وسنين عديدة من غير إزعاج بات وسيلة مشاهدة مزعجة مليئة بالدعايات والمشاهد السمجة.
العديد من البرامج أصبحت غير مجانية. حتى البنوك أصبحت تستقطع مبلغاً نظير وضع حسابك لديهم «عن السويد أتحدث».
قد تكون هذه كلها في الظاهر مبالغ رمزية ولكننا إن حسبناها على كل ما نستخدمه من وسائل في حياتنا وبرامج مع مليارات المستخدمين فإن ما يُسْتَقطع من حساباتنا مبالغ مهولة.
وأختم مقالي بقصيدة مجتزأة للشاعر مقبل العمري:
كرهت النتَّ حتى ضقت نتّا
وأسبابي لهذا الكره شتّى
فمنها أنّه بحرٌ عميقٌ
وكم يأخذ من الساعاتِ وقتا!
ومنها أن وقتي ليس ملكي
فإن أنفقتهُ أنفقتُ سحتا
فلي عملي وأبحاثي وعلمي
فكيف وأن لي أهلاً وبيتا
فهذي أكبر الأسباب صدقا
وهذا ما يزيد النت مقتا
ومن سوءاتهِ أنّي أجدهُ
كمقبرةٍ تقضي العمر صمتا
ومن آفاتهِ الإدمانُ فيهِ
فبئس الشخصُ إن أدمنت نِتّا
ومن سقطاتهِ إنْ تُهتَ فيهِ
بلا فهمٍ فبئس الزول أنتَ
تُخبِّط في مواقعهِ فتلقى
قبيح الجنس والفحشاءِ تؤتى
وفيروسات قد صنعت بخبثٍ
تفتُّ جهازك الآخاذ فتا
- يُتبع