د. إبراهيم بن جلال فضلون
إنها النعمة والنقمة القادمة، يصعُب التنبؤ بتأثيره المحض، لأن الذكاء الاصطناعي سيتغلغل وسيُحْدِثُ تحولاً في الاقتصاد العالمي بطرق معقدة، ورغم تلاعبه بحياتنا وخصوصياتنا، إلا أن له بعض المنافع الإنسانية، التي يجب علينا أن نوازن بدقة بين السياسات للاستفادة من إمكاناته، فمن المرجح أن يكون مُكملاً للعمل البشري، كونه يؤثر على نحو40 % من الوظائف حول العالم خاصة التي تتطلب مهارات عالية، فيحل محل بعضها ويكمل بعضها الآخر، بل وتأثيره المحتمل على الاقتصاد العالمي، وكل ذلك يفرض علينا الخروج بمجموعة من السياسات التي تكفل الاستفادة بأمان من الإمكانات الهائلة الكامنة في الذكاء الاصطناعي بما يعود بالنفع على الإنسانية. فتاريخياً، كانت الأتمتة وتكنولوجيا المعلومات تؤثران في الغالب على الأعمال الروتينية، فالاقتصادات المتقدمة تواجه مخاطر أكبر من الذكاء الاصطناعي - وإن كان أمامها أيضاً مزيد من الفرص للاستفادة من منافعه - مقارنة باقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ومن هنا فاهتمام الرياض بالاستثمار في تكنولوجيا صناعة الرقائق ومراكز البيانات، طريق واعدة للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، حيثُ تخطط لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار تقريباً، وهو طريق بدأ بشراكة محتملة مع «أندريسن هورويتز الأميركية» لرأس المال الأخطار وممولين آخرين. فالمملكة نظراً لمواردها من الطاقة وقدرتها التمويلية ووجود إرادة سياسية لتنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أموال وفيرة يمكن تخصيصها لتعزيز تطوير التكنولوجيا.. هي مهتمة بدعم مجموعة متنوعة من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ومنها شركات صناعة الرقائق ومراكز البيانات. ففي الاقتصادات المتقدمة، تبلغ نسبة الوظائف التي قد تتأثر بالذكاء الاصطناعي نحو60 % وعلى العكس من ذلك، في الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، يُتوقع أن تكون نسبة التعرض لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي 40 % و26 %، على التوالي فنصف الوظائف المعرضة لهذه التكنولوجيا يمكن أن ينتفع من إدماج الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعزز إنتاجيتها. والنصف الآخر قد يقهر الأيدي العاملة ويستغني عنها، وبالتالي فصندوق الاستثمارات العامة السعودي يخصص أكثر من 70 % من التمويل لمشاريع واستثمارات داخل السعودية، ويستهدف توجيه ما يراوح ما بين 20 و25 % لتمويل في الخارج، موضحاً أن نحو 40 % منستثمارات الصندوق الدولية هي في الولايات المتحدة وأن الصندوق يضخ نحو 40 إلى 50 مليار دولار سنوياً، وسيزيد ذلك إلى 70 مليار دولار سنوياً بين 2025 و2030.. وقد ذكرت «فايننشال تايمز» في تقريرها فبراير الماضي، أن الرياض رفعت خلال الأعوام الأخيرة سقف شروط تمويل مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، بالتشديد على ضرورة استثمار تلك الشركات في السعودية، وأن تشارك المعرفة التكنولوجية مع الشركاء السعوديين، وهو ما تعمل عليه المملكة بالاستراتيجية السعودية لنقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا، كما فعلت الحكومات المحلية الصينية قبل عقود مع الشركات الأجنبية، ومنحها الوصول إلى السوق، مقابل تدريب فرق العاملين المحليين والاستثمار في البلاد.