خالد بن حمد المالك
لأول مرة منذ السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي يصدر عن مجلس الأمن قرارٌ يخص حرب غزة دون أن تستخدم فيه أمريكا حق النقض (الفيتو) بعد أن سبقته ثلاث مرات أفشل فيها (الفيتو) الأمريكي قرارات لوقف إطلاق النار، مع أنه قرار غير متوازن بحسب ما وصفه البيان المصري، وفترته محدودة بما بقي من أيام شهر رمضان، مكتفياً القرار بالطلب من الطرفين الإسرائيلي وحماس بالامتثال لالتزاماتهما بموجب القانون الدولي.
* *
اكتفى الموقف الأمريكي بعدم التصويت على القرار، وكأن واشنطن تؤيده ولا تؤيده، فالرعب الإسرائيلي يمنعها من التصويت لصالح القرار، مع أن الإدارة الأمريكية لم تسلم من السوط الإسرائيلي حتى وهي لا تُصوّت على القرار، لأن المطلوب منها، وبالأمر من تل أبيب أن تستخدم حق النقض والاستمرار في دعم إسرائيل في حرب الإبادة التي أجمع العالم على أن ما تقوم به إسرائيل في حربها البرية هو كذلك.
* *
وما أن صدر القرار الذي نص على وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية حتى سارع رئيس وزراء إسرائيل بإلغاء زيارة لوفد إسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبحث قضية تبادل الأسرى ضمن احتجاج تل أبيب، معتبراً أن الموقف الأمريكي (المحايد!!) من القرار يمس الجهد الحربي لإسرائيل، وأنه خطأ يزيد من صعوبة الإفراج عن الأسرى، وهو ما ردت عليه عائلات الأسرى في رسالة لبايدن بالقول إن عدم وجود تواصل بين نتنياهو وحكومة الحرب للإفراج عن الأسرى هو السبب.
* *
تواصلت الردود الإسرائيلية الغاضبة والمُندّدة من القيادات الإسرائيلية ضد الموقف الأمريكي، فقد وصفه رئيس الوزراء بأنه تراجع واضح في موقف أمريكا في مجلس الأمن منذ بدء الحرب، بما يمنح الأمل لحماس، لكن إسرائيل لديها التزام بمواصلة القتال، أما ابن غفير فرأى في القرار بأنه معادٍ للسامية، وعلى نفس النسق جاءت تصريحات وزير دفاع إسرائيل ووزير خارجيتها.
* *
إدارة الرئيس الأمريكي بايدن التي صُدمت بسوء الفهم لدى إسرائيل سارعت للقول بأن القرار ليس له تأثير في ملاحقة حماس، وأن ردّ الفعل لدى إسرائيل يُظهر وكأن واشنطن قد تخلّت عن موقفها، أو غيّرت سياستها، فأمريكا وإن التزمت الصمت خلال التصويت على القرار، فهي شريك مع إسرائيل، ولن تتخلى عن دعمها في حربها في غزة، وحماية وجودها، وعدم قيام الدولة الفلسطينية دون رضاها وشروطها.
* *
في المقابل فقد أيدت بريطانيا وفرنسا بوضوح القرار وطالبت بتطبيقه، كما كانت تصريحات الرئيس السابق ترامب إيجابية ضد ممارسات إسرائيل، وأنها تتصرف بشكل يجعلها في حالة من عدم القبول لدى كثير من دول العالم، بل إن مجموعة من الديموقراطيين في مجلس الشيوخ طالبوا الرئيس الأمريكي بتعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل.
* *
ومع كل هذا، فقد أعلنت إسرائيل بأنها لن تُوقّف القتال، وأن القرار لن يكون له قبول لديها، وبالتالي فالكرة تعود مرة أخرى إلى مجلس الأمن، لنرى ماذا سيفعل، أمام تمرّد إسرائيل المتواصل على القرارات الدولية، وهل سيكون الموقف الأمريكي التزام الصمت وعدم استخدام الفيتو، أم أن الموقف الإسرائيلي المهين لأمريكا سيجعل أمريكا مضطرة لاستخدامه حتى لا تُغضب إسرائيل مرة أخرى؟، لنرى!.