أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك الكثير من أهل الادخار الخيرين الحريصين على سلامة دينهم وحفظ أموالهم وزيادتها زيادة حقيقية لا شكلية يخرجون الزكاة - الركن الثالث من أركان الإسلام - في مثل هذه الأيام من شهر رمضان الكريم، كان من المناسب بيان الحكمة المتوخاة من فرض هذا الركن العظيم الذي ربطه الله عز وجل بالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام في أكثر من موضع في كتابه الكريم، ويمكن إجمال القول في هذا الباب في الآتي:
- يقوم المسلم بهذا الأمر حتى لو لم يعلم الحكمة والعلة من الفعل استجابة وانقياداً لأمر الله عز وجل، وطلباً لما عنده، هذا هو الأصل في كل من نطق بالشهادتين، إذ إن معنى الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك - إن في إخراج الزكاة حصول البركة في المال، وهذا المصطلح (البركة) مصطلح شامل وعام، ولا وجود له إلا في حياة المسلم الذي يعلم أن المال قد يكون مسلوب البركة، فيصبح وبالاً على صاحبه، وسبباً من أسباب هلاكه -لا سمح الله، ولذا فمن الدعاء المأثور (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا).
- إن في إعطاء الفقير والمحتاج وذوي العوز والضعيف المسكين العاجز عن توفير قوت يومه كسرًا لما في نفسه من حسد، وتطيبًا لخاطره، حتى لا يحمل الغل في صدره على هذا التاجر الثري الذي يراه يركب أفخم السيارات ويلبس أحسن الثياب ويسكن القصور والدور وهو قريبه، أو يسكن في جواره، أو على الأقل يعرفه والتقى به يومًا ما، ولا يملك من متاع الدنيا إلا القليل وربما يفتقد إلى أساسيات الحياة.
- إن إخراج الزكاة سبب من أسباب العيش السعيد ووقاية -بعد الله عزَّ وجلَّ- من الجوائح والكوارث التي لم تكن في الحسبان، وإنما هي قدر من أقدار الله المؤلمة.
- ومن الناحية الاقتصادية الصرفة فإن إخراج الزكاة يسرّع بدورة الريال وانتقاله من يد لأخرى حتى يستقر في النهاية عند هذه الطبقة الثرية التي أخرجت الزكاة، لأنها هي وحدها من يدخر الريال ويجمعه، خلاف الدنيا والمتوسطة اللتين تحركان الاقتصاد بشكل سريع، فهما طبقتان في الأصل أنهما مستهلكتين تشتريان حاجياتهما متى ما توفر لديهما المال.
بهذا يطاع الله ويستحب لأمر، ويستقر المجتمع، وتصفو النفوس، ويزدهر الاقتصاد، وتقوى وشائج المحبة بين الطبقات، فضلاً عن رضا الرب وطرحه البركة في المال.
حفظ الله لنا ولكم أموالنا، وبارك فيها، ورزقنا من حيث لا نحتسب، وإلى لقاء والسلام.