خالد محمد الدوس
تتسم السياسة الاجتماعية في عالم اليوم بالمرونة والشمول والتعقد، وتبتعد عن أن تكون مجرد إجراءات تستجيب لمخاطر أو تهديدات يشهدها المجتمع اليوم في عالم متغير مليء بالأزمات والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. الخ، فالسياسة الاجتماعية مفهوم مركب ومعقد يتسم بالشمول تتحدد أولوياته وتتعدد ما بين توجهات وإجراءات وأهداف وقائية وعلاجية وحمائية وأخرى لتغيير وضعية المهمشين في المجتمع الحديث وتمكينهم.
حيث تهدف السياسة الاجتماعية إلى معالجة الخلل في نظام السوق الذي يمكن أن يحرم جماعات معينة من بعض المنافع والخدمات ويتسبب في صور من اللامساوة الاجتماعية، فالعلاقة واضحة بين السياسات الاجتماعية وإرساء وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع وقطاعاته، والعمل على حماية الانسان ضد النتائج السلبية للأداء الحر لقوى السوق، مما يضفي على السياسة الاجتماعية صفة السياسة الوقائية، ومن هنا يجب أن يتم صنع السياسات الاجتماعية وفق معرفة تفصيلية وواقعية بحاضر المجتمع واحتياجاته المستجدة والمتغيرة في عالم مليء بالتغيرات المتلاحقة، وكذلك بإدراك للواقع المتغير وتحدياته، وما يتطلبه من قدرات وإمكانات قوية تسهم في مواجهة تلك التحديات.
ومن أهم متطلبات صنع السياسات الاجتماعية في المجتمعات العربية في العصر الحديث، أن تتبنى منهج التمكين والشراكة للأفراد والهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية كجزء من سياساتها الاجتماعية ومن رؤيتها ورسالتها في المجتمع المعاصر.
ويمكن للقارئ والمهتم بدراسة السياسات الاجتماعية في العصر الحديث أن يرصد في الكتاب الحالي للمؤلف الأستاذ الدكتور عبدالونيس محمد الرشيدي أستاذ التخطيط الاجتماعي والسياسات الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقاً-. وعنوانه: السياسة الاجتماعية (أطروحة نظرية وتطبيقية في صنع وتحليل السياسات الاجتماعية في المجتمع المعاصر) مجموعة من الموضوعات الهامة، حيث تضمن الفصل الأول المفاهيم الأساسية في إطار السياسات الاجتماعية، وتناول الفصل الثاني المعطيات النظرية للسياسة الاجتماعية، بينما جاء الفصل الثالث بعنوان صنع السياسة الاجتماعية، والفصل الرابع بعنوان تحليل السياسة الاجتماعية، أما بالنسبة للفصل الخامس فقد تناول سياسات الرعاية الصحية الحكومية والعدالة الاجتماعية، وجاء الفصل السادس ليتناول العدالة الاجتماعية كأحد أهداف السياسة الاجتماعية الفاعلة، أما الفصل السابع فقد استعرض المجتمع المدني وصنع سياسات الرعاية الاجتماعية في الملكة العربية السعودية، وتضمن الفصل الثامن سياسات الحماية الاجتماعية للأطفال، كما تضمن الفصل التاسع سياسات الحماية الاجتماعية للمسنين، واختتم الكتاب بالفصل العاشر الذي تناول سياسات الحماية الاجتماعية لمتحدي الإعاقة.
ويختتم المؤلف الكتاب الذي بين أيدينا بصياغة رؤية مستقبلية لصنع السياسات الاجتماعية لمتحدي الإعاقة في المجتمع السعودي: حيث نطلق الهدف الرئيسي للرؤية المستقبلية من ضرورة صنع السياسات الاجتماعية الفاعلية لفئة متحدى الإعاقة من منظور التخطيط الاجتماعي، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال الأهداف الفرعية التالية:
1- تفعيل دور مؤسسات متحدى الإعاقة من خلال تسهيل إجراءات الحصول على الخدمات وتوفير فرق العمل القادرة على تحقيق ذلك.
2- تغيير نظرة المجتمع السعودي للإعاقة وتغيير نظرة متحدى الإعاقة لنفسه من خلال وسائل الإعلام والتوعية المختلفة (برامج تلفزيونية، ندوات ورش عمل مؤتمرات، حملات توعية وإرشاد... الخ).
3- إدراج قضية الإعاقة على سلم أولويات الحكومة وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لها.
4- تطوير مهارات وقدرات العاملين مع متحدى الإعاقة في مجالات التأهيل التربوي والاجتماعي والنفسي والطبي والمهني.
5- تفعيل وإصدار التشريعات التي تضمن حق متحدى الإعاقة في الدمج الاجتماعي والمساواة مع باقي فئات المجتمع السعودي، والعمل على استمرارية تفعيل وإصدار القوانين التي تكفل التحاقهم بالمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي.
6- إزالة العقبات والصعوبات التي قد تحول دون اندماج متحدى الإعاقة ومشاركتهم في نشاطات المجتمع السعودي المختلفة من ثقافية واقتصادية واجتماعية وغيرها.
7- دعم قدرات المشرعين لتضمين اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق متحدى الإعاقة في إطار القانون، وبما يتناسب مع التغيرات المتلاحقة في المجتمع السعودي والتي تتأثر بها تلك الفئة.
8- وضع خطة عمل قومية قابلة للتنفيذ لمتحدي الإعاقة وتصديق الوزارات المعنية عليها (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية- وزارة التعليم- وزارة الصحة- وزارة الاقتصاد والتخطيط- وزارة العدل- وزارة الخدمة المدنية).
9- تنفيذ مشروع تجريبي يستهدف متحدى الإعاقة على مستوى المجتمع السعودي المحلى من خلال جمعية أهلية مختارة وفاعلة تعمل في مجال رعاية متحدي الإعاقة.
10- رفع الوعي بحقوق متحدى الإعاقة إلى كل من مستوى الإعلام ومستوى المجتمع السعودي المحلى.
كما حدد أهم المؤسسات المشاركة في تطوير تلك الرؤية المستقبلية في:
1- مجلس النواب والهيئات التشريعية والقضائية.
2- الوزارات والمؤسسات المعنية برعاية متحدي الإعاقة (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية- وزارة التعليم- وزارة الصحة- وزارة الاقتصاد والتخطيط- وزارة العدل- وزارة الخدمة المدنية، والجمعيات الأهلية في مجال رعاية متحدي الإعاقة).
3- مؤسسات المجتمع السعودي المدني (الجمعيات الأهلية في مجال رعاية متحدى الإعاقة، القطاع الخاص والمؤسسات والشركات الخاصة في المجتمع السعودي مثل سابك، أرامكو، بنك الراجي، بنك الرياض والتي يوجد بها إدارات للمسئولية الاجتماعية).
4- الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحوث المتخصصة في دراسات متحدى الإعاقة.