قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري «حَيْثُما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، والأرْضُ لكَ مَسْجِدٌ».
والعارفون يقولون إن في الحديث إشارة للمحافظة على الصلاة في وقتها.
وفي الحديث إشارات أخرى لكن هذا الجزء هو ما يتعلق بموضوعنا.
وفي فيلادلفيا إن أدركت الصلاة في أي مكان ما عليك إلا أن تفزع لمحرك البحث على جوالك لتبحث عن أقرب مسجد وستجد أنك على بعد دقائق فقط من أكثر من مسجد. وحسب ما قيل لي إن فيلادلفيا بها ستة وثمانون مسجداً هذا قبل عامين ولا شك أنها تجاوزت التسعين في يومنا هذا...
الأئمة ولغة الخطابة
على الرغم من أن لكل مسجد إمامه الراتب فإن عدداً من الأئمة المتطوعين يتنقلون بين المساجد مساندة للأئمة وتلبية لدعوات المساجد التي تجد في هذا التبادل إشاعة للمحبة، وتقريباً للمسافات، ومَن أقدر مِنْ هؤلاء الحفظة على مدِّ حبالِ الود.
وتتشكل هذه الكوكبة من الأئمة من كافة الدول الإسلامية تقريباً وإن غلب عليها الشرق أوسطيون وأبناء غرب إفريقيا الذين توفرت لهم بحكم الموقع الجغرافي فرص الدراسة في مصر والسعودية وغيرها من دول المنطقة إلى جانب عدد لا يستهان به من مسلمي شرق آسيا، واللافت أعداد الأئمة الحفظة من الشباب مواليد فيلادلفيا، الذين يجمعون بين حسنيي الحفظ وتشربهم ثقافة البلاد ما يمكنهم من عكس صورة تجتهد في الاقتراب من النموذج الإسلامي المنشود.
وهذا يقودنا إلى نقطة مجاورة وهي لغة الخطابة ونعني الدروس وصلاة الجمعة ، وعدا بعض الاستثناءات النادرة فإن الأئمة يستخدمون الإنجليزية بوصفها اللغة المشتركة بين هذا الطيف الواسع من مرتادي المساجد، فتكون إحدى خطبتي الجمعة بها والأخرى بلغة أهل المنطقة الغالبة في المسجد، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المساجد في العادة تنشأ لخدمة أبناء جالية أو منطقة.
التسميات
تتسمى مساجد فيلادلفيا بأسماء الرموز كمسجد محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومسجد عمر ومسجد الإمام علي، ويحمل بعضها أسماء شخصيات إسلامية في حقب تالية كمسجد البخاري، إلى جانب أسماء شخصيات إسلامية محدثة كمسجد ابن باز ومسجد ابن عثيمين غير أن أغلب المساجد تحمل أسماء كمسجد الراشدين ومسجد الهداية، إلى جانب ارتباط بعضها بأسماء ذات مدلولات مكانية كمسجد الأقصى ومسجد الجامعة الذي يقع في حي تحيط به مجموعة من أشهر الجامعات.
المباني
يميل المسلمون في الولايات المتحدة بشكل عام إلى شراء مبانٍ جاهزة وتحويلها إلى مساجد مثل مجمعات العيادات ودور السينما وكل ما تسمح مساحته ويتيح تصميمه لتحويله لمسجد تتوافر فيه قدر الإمكان الشروط المطلوبة.
وهنا تبرز مشكلة عدم تميزها معمارياً عن ما يحيط بها وقد لايستدل عليها إلا باللافتة، غير أن هناك مساجد بنيت على أرض مخصصة فأبرزت المعمار الإسلامي الذي أضفى على المدينة المتعددة الثقافات مسحة جمالية فريدة.
الخدمات
لا يكاد يخلو محيط أي من هذه المساجد من متجر لبيع المستلزمات الإسلامية كالسجاجيد والمسابح ونحوها، كما أن أغلب المساجد أصبحت مراكز جذب للمطاعم وعربات الطعام الحلال.
وأجلُّ ماتقدمه المساجد من خدمات هو التعليم الذي يمكن تقسيمه إلى طوعي ورسمي يتمثل الأول في حلق تحفيظ القرآن الكريم التي تنتظم مساجد فيلادلفيا كافة ويقوم عليها نخبة من المشايخ المؤهلين وتزيد بعض المساجد على ذلك بدروس الحديث والفقه والعقيدة واللغة العربية.
أما التعليم الرسمي فيتمثل في مدارس تقدم خدمات تعليمية متكاملة ومدارس منتظمة في المراحل كافة ابتداءً بما قبل المدرسة وانتهاءً بالمرحلة الثانوية وأشهر هذه المدارس مدرسة الأقصى والهداية.
** **
أسامة سليمان - فيلادلفيا