رقية سليمان الهويريني
قد يقسو المرء على نفسه بالتفكير فيصاب بالأمراض النفسية وحالات التوتر والقلق! وتزداد أزمته سوءًا حين ينصحه المحبون بالتوقف عن التفكير! وكأن هذا التفكير خيار شخصي تستخدمه حين تجد نفسك فارغاً من كل أعمالك ومشاغلك! ولا يدرك أحد قط ماذا يعني أن تصيبك قرحة في تفكيرك! فتحتار أين تذهب لعلاجها وأين تتجه لمداواتها! وتخذلك حيلتك بالهروب من شرنقة التفكير لفضاء اللاوعي لتريح نفسك من عناء الخيبة وتعب القنوط بسبب عدم تحقيق أمنية عامة وليست شخصية.
وكثير من الناس يتوقعون ألا مهمة للتفكير سوى أنه إشغال للنفس وإرهاق للقلب وهدر للوقت واستنزاف للجهد! وما مهمة التفكير في الحقيقة إلا السعي لإحداث تغييرٍ ناجح نحو الأفضل والأسمى في ظروف غير مناسبة وأوضاع غير مواتية! وتبقى مهمة الفكر رسم مخطط الحركة والنشاط والعمل من خلال الخبرات والتجارب بشرط أن تتكافأ نتائجها مع الجهد والوقت المبذول فيها، وإن لم يحصل ذلك يعتري المرء المفكر الإحباط وبالتالي يصاب بقرحة مزمنة يقصر العلاج دونها ويقف الطب عاجزاً حيالها.
إن أشد ورطة وقع بها العالم العربي وبلدنا ليس بمنأى عنها، هو إهماله للفكر والنقد والمتابعة والمراجعة كأسس ومبادئ هامة في التغيير والإصلاح والارتقاء، وما التبعية التي نعيشها إلا بسبب أننا لم نُعمل الفكر بما ينهض بالمجتمع ويرتقي به نحو السمو، لدرجة تحولت الطاقة البشرية الهائلة لعبء تنوء به الحكومات وتشكو من ويلاته بدلاً من أن يكون قوة هائلة باستطاعتها حمل الطموحات على أكتافها.
وفي حين ينبغي أن تكون الأزمات ولّادة للفرص، وخلّاقة للنجاح؛ تحولنا فريسةً للتحديات والشدائد! فما الأزمة إلا طريق للتجديد، ونقد أخطاء الماضي، وهي بالأصل إيقاع الحياة حين تستثمر بوعي، وتستثير مكامن القوة والقدرة على تجاوز تلك الشدائد.
والمفكر أمام التحديات والأزمات مع قصور الوعي المجتمعي؛ يضج به ألم العجز، وقلة الحيلة وهو يدفع الناس نحو التغيير قبل وقوع المصيبة وحلول الكارثة، ولكن أولئك الناس لا يستجيبون لندائه ولا يتفاعلون مع صياحه فهم أبداً سادرون، وهو دوماً يشكو من قرحة الفكر التي تزداد التهاباً فتزيد حالته بؤساً.