تغريد إبراهيم الطاسان
عاش طلابنا وطالباتنا في جميع مدارس التعليم العام تجربة الدراسة في شهر رمضان المبارك، وذلك ضمن أسابيع الفصل الدراسي الثالث الذي تم تطبيقه لأول مرة في المملكة في العام 1442هـ، سعياً للاستثمار الأمثل لأيام العام الدراسي، وزيادة عدد أيام الدراسة الفعلية، بما يساهم في تطوير منظومة التعليم، ورفع مستوى كفاءة العملية التعليمية، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 وأهداف برنامج تنمية القدرات البشرية.
ولكن.. على الرغم من منطقية العودة للدراسة في شهر رمضان، وعدم الانزعاج منها إذ سبق وأن خضنا هذه التجربة خلال مراحل الدراسة المختلفة، إلا أن ما يثير قلقنا وقلق الكثيرين هو حالة الغياب الجماعي الذي صار أمرًا واضحًا تشهده المدارس بدرجة لافتة في هذا الشهر الفضيل، وهو ما يُلقي بظلاله وآثاره السلبية على سير وجودة العملية التعليمية، لتسببه في مشاكل سلوكية وتعليمية لدى الطلاب، مما يشكّل تحديًا وضغطًا على الأهل والمدرسة والطواقم التعليمية، بسبب الفجوة التعليمية الكبيرة الناجمة عن غياب الطلاب وتراجع مستواهم وتحصيلهم العلمي بشكل كبير.
من وجهة نظر شخصية وكأخصائية اجتماعية وولية أمر تبحث عن المصلحة العامة، أرى ومعي كثيرون بعض السلبيات التي أفرزها نظام الدراسة خلال هذا الشهر الفضيل، فقد أثبت عدم جدواه بدليل هذه النسبة الكبيرة من الغياب، وهو ما تظهره لنا أرقام وإحصائيات الحضور والغياب، والتي جاءت متزامنة مع نظام الفصول الدراسية الثلاثة الذي طبّقته وزارة التعليم منتصف العام 2021م، باعتباره عامل تمكين لتطوير منظومة التعليم، من خلال زيادة الأيام الفعلية للدراسة، وإدخال مواد جديدة، ووحدات دراسية للمواد القائمة، إضافة إلى زيادة إثراء المعارف والمهارات للمواد الحالية، وإعادة كفاءة الأوزان النسبية للمقررات.
وفي مقابل هذه الإيجابيات، وجد نظام الفصول الثلاثة كثيرًا من الجدل، وأثار جملة من التساؤلات، ومن أبرز الأسئلة المطروحة وأكثرها أهمية تلك المتعلقة بالتقييم العام للتجربة، وتحديدًا موقف أطراف العملية التعليمية من المدارس، والهيئات التدريسية، وأولياء الأمور، والطلاب من هذا النظام وتبعاته, مما حدا بمجلس الشورى للمطالبة وبتصويت معظم أعضائه بإعادة النظر في تطبيقه، وهي المطالبة التي قوبلت بترحيب واسع من كثير من الأهالي والأُسر الذين يرون أن هذا النظام اتسم بتمطيط غريب للمنهج، وتكثيفه بطريقة تسببت في ضغطهم نفسيًّا واقتصاديًّا، كما أثرت سلبًا على الطلاب، وتسببت في إحساسهم بالملل وقلة الاستيعاب، لطول المدة الدراسية، وهو ما أدى فعلًا لظاهرة الغياب الجماعي، وخاصة في هذا الشهر الفضيل، كذلك أثر هذا النظام على المعلمين الذين كانوا ينظرون إلى الإجازة الصيفية السابقة، كآخر المكاسب التي كانت تمنحهم من الطاقة والحيوية، وتجعلهم يشعرون بحصولهم على ميزة وظيفية أسوة بغيرها من الوظائف الأخرى.
الغريب في الأمر أن زيادة نسبة الغياب بين الطلاب جاءت رغم تشديد وزارة التعليم منذ بداية العام الدراسي على الإدارات التعليمية في كافة مناطق المملكة، بضرورة مساءلة ومحاسبة منسوبيها المقصرين في تطبيق الأنظمة واللوائح والإجراءات الخاصة بالانضباط المدرسي، وحصر وتسجيل غياب الطلبة في نظام نور وتثبيته يوميًّا، ولعلني هنا أتساءل هل ساهمت إجراءات الوزارة الصارمة في تخفيض نسبة الغياب؟ بالطبع لا.!
كما أتساءل أيضًا، ما هو المردود التعليمي من وراء استمرار تطبيق نظام الفصول الثلاثة الذي وإن كانت سبقتنا في العمل به دول عديدة على المستويين الدولي والعربي، لكن بيئة التعليم لدينا ليست كبيئة التعليم في هذه الدول، فنحن لدينا طقوس وظروف مختلفة جذريًّا، سواءً من ناحية تقلبات الطقس والأجواء في الصيف أو الشتاء، أو من ناحية الشعائر والمواسم الدينية، ومنها شهر رمضان الذي تعتري الدراسة فيه من وجهة نظري بعض السلبيات، نظرًا لتأثير الصيام على استيعاب الطلبة وتحصيلهم العلمي، لقلة ساعات نومهم، فهم يتناولون السحور قبل الفجر وبعدها بخمس ساعات يتوجهون لمدارسهم وهم في حالة تعب وإرهاق وربما يكملون نومهم في فصولهم المدرسية.
وبالنظر إلى كل هذه التحديات والسلبيات، وحتى تكون المدرسة ذات بيئة جاذبة، خصوصًا في الشهر الكريم؛ أقترح وبعد تقييم التجربة في عامها الثالث، التخلي عن إجازات الأسبوع المطولة مقابل تجربة عدم الدراسة في شهر بهذه الخصوصية، وإذا كان لابد من الدراسة، فلتكن عن بعد استثمارًا للتجربة الرائدة أثناء جائحة كورونا، وتكون الدراسة فيه بعد صلاة الظهر حتى الساعة الرابعة عصرًا، أيضًا أقترح التخفيف من جدية المناهج، وتغليب تكثيف «الأنشطة والفعاليات»، وكلي أمل في القائمين على التعليم أن يأخذوا هذه المقترحات بعين الاعتبار، مع إعادة النظر في قرار الدراسة في شهر رمضان، والتفكير جديًّا في مدى جدوى تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة، مع العودة لنظام الفصلَين الدراسيَّين، والأخذ ببعض التحسينات الإيجابية من نظام الفصول الثلاثة.