د.عبدالله بن موسى الطاير
مخجل أن تتحول داعش إلى تنابز بين الشلل في الإعلام العربي؛ ما بين وليدة مؤامرة، ونبتة سلفية. داعش تنظيم إرهابي، القائمون عليه لهم مصالح وارتباطات وتخادم، وهم بالتأكيد ليسوا رجالا صالحون، وفي الوقت نفسه لا نستطيع الجزم بأنهم فرقة استخباراتية لهذه الدولة أوتلك، فيهم شيء من كل شيء. المنفذون لأهداف داعش من قتل وتفجير هم حطب المعركة، ولا يعرفون شيئاً عن غرف التخطيط والعمليات ولا لمصلحة من تنفذ العملية، إنهم طبقة المستخدمين على وعد بأجر دنيوي أو أخروي.
قبل فترة كتبت في هذه الزاوية عن صوت المؤامرة المرتفع في الولايات المتحدة الأمريكية، وتساورني بعض الظنون بأن المحافظين أكثر ميلاً لاعتناق نظرية المؤامرة من الليبراليين. لست وحدي في هذا الظن، فهناك عدد كبير من الأدبيات تستند إلى كتاب The Paranoid Style أو «النمط المذعور في السياسة الأمريكية» الذي نشركمقالة للمؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستادتر في مجلة هاربر في نوفمبر 1964م، ثم أصبح عنوانًا لكتابه في العام التالي. تتتبع مقالة هوفستاتر تأثير نمط معين من نظرية المؤامرة و»حركات السخط المشبوهة» عبر التاريخ الأمريكي.
في سياق معاكس نشرت المكتبة الطبية الوطنية في يونيو 2022م دراسة شارك فيها ستة من الباحثين تستجلي العلاقة بين نظريات المؤامرة والتوجهات السياسية، مستخدمة 20 دراسة استقصائية للأمريكيين من عام 2012م إلى عام 2021م، بالإضافة إلى دراسات استقصائية لـ 20 دولة تمتد عبر ست قارات. المرحلة الأولى درست العلاقة بين رأي الناس في 52 نظرية مؤامرة وكل من الميول الحزبية والأيديولوجية في الولايات المتحدة؛ وشملت الدراسة رأياً مماثلاً في 11 نظرية مؤامرة في 20 دولة أخرى وعلاقتها بالتوجهات السياسية والأيديولوجية. حافظت المرحلة الثانية من الدراسة على ثبات محتوى نظريات المؤامرة التي تمت دراستها - مع التبديل في متغيرات ثانوية أخرى- لمعرفة ما إذا كان الديموقراطيون الليبراليون أو الجمهوريون المحافظون أكثر اعتناقا للتفسير التآمري للأحداث. قام الباحثون في المرحلة الثالثة والأخيرة بفحص الارتباطات بين التوجهات السياسية والميل العام للاعتقاد بنظريات المؤامرة على مدى عقد من الزمن. الخلاصة، لم تتوصل الدراسة في أي حال من الأحوال إلى دليل منهجي على عدم التماثل السياسي؛ فالليبراليون ليسوا أفضل حالا من المحافظين، وبدلاً من ذلك، تعتمد قوة واتجاه العلاقة بين التوجهات السياسية والمؤامرة على خصائص معتقدات المؤامرة المحددة التي يستخدمها الباحثون والسياق الاجتماعي والسياسي الذي يتم فيه النظر في تلك الأفكار.
من جانب آخر بحثت دراسة في منتصف عام 2021 في موقع المكتبة الطبية الوطنية بعنوان العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتصديق في نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة في الارتباطات بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة. في حين تم تفسير نتائج الدراسة على أنها دليل على أن وسائل التواصل الاجتماعي تشجع بشكل سببي معتقدات المؤامرة، إلا أن هذه العلاقة مشروطة بميول أخرى على المستوى الفردي؛ فالأفراد الذين يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي يعبرون في كثير من الأحيان عن المزيد من المعتقدات في بعض أنواع نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة، مع الأخذ في الاعتبار الاستعداد الذاتي عند الفرد لتفسير الأحداث البارزة على أنها نتاج للمؤامرات، بحيث يصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطًا بقوة أكبر بمعتقدات المؤامرة عند الشخص ذاته، كما وجدت العديد من الدراسات أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بشكل إيجابي بالمعتقدات التآمرية والمضللة، ووجدت دراسات أخرى قائمة على الملاحظة وجود ارتباطات بين تفكير المؤامرة وتأييد نظريات المؤامرة، وأن الأشخاص الذين يميلون إلى استخدام تفسيرات تآمرية للأحداث البارزة يميلون أيضًا إلى البحث بنشاط عن هذا المحتوى عبر الإنترنت.
يبدو أن فرضيات الارتباطات السابقة بين اعتناق نظرية المؤامرة والتوجه السياسي أو الإيديولوجي من جانب وارتباطها بشبكات التواصل الاجتماعي من جانب آخر لا تقف على أرضية علمية صلبة دون الأخذ في الاعتبار الخصائص والسمات النفسية بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الشذوذ، ودعم العنف السياسي، والميل إلى مشاركة معلومات كاذبة عبر الإنترنت، والشعبوية، والنرجسية، والاعتلال النفسي. وبشكل عام، تعد الخصائص النفسية أكثر فائدة في التنبؤ بتفكير المؤامرة من الخصائص السياسية والاجتماعية.
بعض الرشاد قد يوقف مهازل تقاذف التهم ومصادرة وعي المختلف برميه بنظرية المؤامرة، ومن المضحك والمخجل في آن أن نعتبر ما نتآمر به «نحن» تخطيطاً وما يخططون لهم «أولئك» مؤامرة لدرجة أن أحدهم ذهب إلى أن استخدام شخص للغة العربية الفصحى في حديثه إلى إحدى القنوات التلفزيونية مؤشر على انتمائه لداعش. المتهِم (بكسر الهاء) يثبت بهذا الاستنتاج السخيف أن لديه استعداداً شخصياً للتفسير التآمري للظواهر.