د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أثبتت السعودية صحة رؤيتها ونظرتها لمستقبل التحول في الطاقة، ففي مؤتمر سيرا 2024 في هيوستن دعا كبار المسؤولين التنفيذيين علناً إلى إعادة التفكير في التحول والحذر في الاندفاع للتخلي عن النفط والغاز والذي لن يحدث في وقت قريب ولا على المدى المتوسط، وهي دعوة أكدها الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو الناصر خلال كلمة له في المؤتمر بأن العالم بحاجة ملحة إلى وضع مسار جديد واقعي وعملي لتحول الطاقة يشمل النفط والغاز وأيضاً مصادر الطاقة المتجددة، وطالب بالتخلي عن خيال التخلص حتى التدريجي من النفط والغاز لأن الطلب على النفط والغاز سيسجل مرة أخرى مستوى قياسياً هذا العام خصوصاً وأن الجنوب العالمي سيشكل عنصراً كبيراً على الطلب، وأن المحرك الأكبر للطلب الإضافي سيكون العالم النامي، وحتى بالنسبة للدول الغربية، من الصعب تصور أن ذروة الطلب على النفط في أقل من عشر سنوات.
اعتبر الناصر أن وكالة الطاقة تركز في تحليلها على الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا، بينما هي في حاجة إلى التركيز أيضاً على الطلب في الدول النامية والتي تشكل 85 في المائة من مجمل سكان العالم، والتي لم تحصل سوى على 5 في المائة من الاستثمارات في الطاقة البديلة، ما يعني أن الاستثمارات في الطاقة البديلة متركزة في دول متقدمة فقط.
وانتقد زعماء إفريقيا الغرب لمنعه بلدانهم من استغلال موارد النفط والغاز الكبيرة لديهم من خلال حجب التمويل من المقرضين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن تدخل المقرضين الصينيين لتمويل هذه المشاريع، خصوصاً وأن هناك فجوة كبيرة بين متوسط استهلاك الفرد من النفط في الولايات المتحدة 22 برميلاً سنوياً، مقابل أقل من برميلين سنوياً في البلدان النامية، لا تستطيع الرياح والطاقة الشمسية توفيرها.
يؤكد ذلك رغم ارتفاع قيمة الاستثمارات العالمية خلال العقدين الماضيين في الطاقات البديلة بما يتجاوز 9.5 تريليون دولار، فإن حجم إمدادات الطاقات الشمسية والرياح لا تزال تشكل أقل من 4 في المائة من الطاقة العالمية، ومجمل حجم المركبات الكهربائية في السوق العالمية لا يزال أقل من 3 في المائة، وحسب الناصر فإن حصة الوقود الهيدروكربوني في سلة الطاقة العالمية خلال القرن الحادي والعشرين لم تنخفض سوى بنسبة ضئيلة جداً من 83 في المائة إلى 80 في المائة، فالطلب على النفط ارتفع إلى 100 مليون برميل من النفط المكافئ 2024 مرتفعاً من 32 مليون برميل يومياً عام 1965، وارتفع الطلب على الغاز نحو 70 في المائة منذ بداية القرن الحالي، هذا رغم أن تحسن ترشيد الاستهلاك خلال الخمس عشرة سنة الماضية قد أدى إلى خفض الطلب على الطاقة نحو 90 مليون برميل من النفط يومياً مقابل تعويض الطاقة الشمسية والرياح 15 مليون برميل يومياً فقط خلال الفترة نفسها.
بدأ يحذر المسؤولون التنفيذيون علناً من خطوات الغرب من الانتقال إلى الكهرباء بالطاقة النظيفة بالكامل، واعتبروه تحولاً عاطفياً، وعندما تكون الأمور عاطفية لن تكون المناقشات مثمرة بسبب هذا التركيز على العواطف، رغم ذلك لن تلقى هذه التحذيرات آذاناً صاغية حيث ردت وزيرة الطاقة الأمريكية على تلك التحذيرات من أن هناك دراسات أخرى تشير إلى عكس ذلك، وهو أن الطلب على النفط والغاز سيبلغ ذروته بحلول 2030، يبدو أن الرد الأمريكي كان سياسياً لا تود خسارة الدول الأوروبية، فيما أصبحت أمريكا أكبر منتج للنفط بنحو 13.3 مليون برميل يومياً، وسبق أن خرج الرئيس ترمب من اتفاقية المناخ في باريس 2015.
الهدف هو تحقيق الحياد المناخي لذلك دعا الاتفاق الأطراف إلى تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، كما يدعون عبر توسيع التقنيات في التقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة خالية من المصادر التي لا يتم تخفيف انبعاثاته.
ووفق الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك هيثم الغيص فإن قطاع التنقيب والاستخراج النفطي يحتاج إلى استثمارات بقيمة 11.1 تريليون دولار بحلول 2045 لتأمين الامدادات اللازمة من النفط التي يحتاجها العالم في ظل الزيادة المتوقعة في الاستهلاك العالمي للطاقة التي تشكل ركيزة أساسية لمواصلة زخم النمو الاقتصادي العالمي المستدام، خصوصا وأن دور النفط الحيوي لا يقتصر على كونه مصدراً رئيسياً مهماً للطاقة، بل إن النفط ومشتقاته يدخل في صناعة أشكال الطاقة الأخرى مثل الطاقة المتجددة التي تحتاج إلى المواد الأولية التي تحتاجها صناعة توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى بطاريات أيونات الليثيوم التي تستخدم في السيارات الكهربائية.