د. تنيضب الفايدي
جبل أحد من أشهر الجبال في الجزيرة العربية، وأحد المعالم الجغرافية والتاريخية بالمدينة المنورة، وعلامة مميزة تبشر القادم لقرب المدينة المنورة، وبه ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً في عظم الأجر لمن شيع جنازة أخيه المسلم وصلّى عليها، فعن ثوبان مولى الرسول صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على جنازة فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان، والقيراط مثل جبل أحد) متفق عليه.
يقع جبل أحد على ميل من المدينة في شماليها، أما زمن الكاتب فقد بلغه البنيان وتجاوزه شمالاً فهو في قلب المدينة النبوية، وأصبح له الآن عدة طرق كلها موصلة إليه، وسمي أحد لتوحّده وانقطاعه عن جبال أخر هناك. المغانم المطابة للفيروز آبادي (2/ 591)، وقيل: سمي باسم رجل من العمالقة اسمه أحد، وهو أول من سكنه، وقيل: اسمه يرمز إلى وحدانية الله تعالى، و جبل أحد جبل صخري مرتفع، طوله من الشرق إلى نهايته الغربية ما يقارب ستة أكيال ونصف، وعرضه في حدود أربعة أكيال خاصة من الجهة الجنوبية الشرقية إلى نهاية جهته الشمالية الشرقية. صيد الذاكرة للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص148). وإذا ما أتيت إلى جبل أحد من الشرق ترى قمماً متعددة ورؤوس جبال كثيرة، ويخيل إليك أنها سلسلة جبال، وإذا ما صعدت عليه سترى أن القمم والرؤوس عبارة عن هضاب متعددة ومتصلة، ولون صخوره تميل إلى اللون الأحمر، وبعضها داكنة وهي ملفتة للنظر لجمالها وتنوعها. ويوجد على قمة جبل أحد بعض المباني القديمة، وعندما تكون على إحدى القمم ترى المدينة المنورة أكثر وضوحاً من جميع جهاتها، وتملأ أقطار نفسك متعة برؤيتها.
في الجهة الجنوبية من جبل أحد يجري شعب الجرار (المهاريس) أو (شعب سيد الشهداء) الذي يتجه إلى الجنوب ليصب في وادي قناة الذي ينحدر جنوباً ثم شمالاً ليلتقي بوادي العقيق. وتوجد الجرار (المهاريس) في قلب جبل أحد، وهي عبارة عن نقرة في الصخور أو مواقع تحفظ المياه المنحدرة من أعالي الجبل، ولها ارتباط بغزوة أحد حيث أُتِيَ بالماء من هذه الجرار (المهاريس) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ولم يشرب منه لتغير لونه وريحه. تاريخ طيبة للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص360)، وقد غسلت منه ابنته فاطمة الزهراء جرح أبيها -فداه أبي وأمي ونفسي وكل غال ونفيس- ولم يتوقف الدم فأتت رضي الله عنها بحصير محروق، وكمدت به جرح أبيها صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها وأرضاها، فتوقف الدم، رواه البخاري برقم (2903)، وكان الموقع على الطرف الشرقي لوادي الجرار.
قال ابن الزبعرى في يوم أحد:
ليتَ أشياخِي ببدْرٍ شَهِدوا
جزعَ الخَزْرَج من وقع الأسَلْ
فَسلِ المِهْراسَ مَنْ ساكنه
بعد أبدانٍ وهامٍ كالحَجَلْ
قال الحموي في معجم البلدان (5/268) عن المهاريس بأنه ماءٌ بجبل أحدٍ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش يوم أحد، فجاءه علي رضي الله عنه في درقته بماء من المهراس، فعافه، وغسل به الدم عن وجهه صلى الله عليه وسلم.
قال سُديف بن ميمون يذكر حمزة:
أقْصِهمْ أيها الخليفةُ واحْسِمْ
عنكَ بالسَّيف شافة الأرجاس
واذكرْنَ مقتل الحسين وزيداً
وقتيلاً بجانب المِهْراسِ
وشِعْب الجرار وقعت في مفيضه المتسع عند التقائه بوادي القناة بالسفح الشمالي لجبل عينين ( الرماة)، وقد غطي شِعب الجرار حالياً بالبنيان، والجِرار جمع جرة وهي نقرة في الصخور تحتفظ بالماء طوال العام، خاصةً إذا توالت الأمطار، وهذه الجِرار يطلق عليها (المهاريس) حالياً، وهذه الجرار (المهاريس) شاهد من شواهد غزوة أحد وارتبطت بالغزوة ارتباطاً وثيقاً.
وهناك مأثرة أخرى ترتبط بالجرار وبغزوة أحد أيضاً، وهذه المأثرة: مسجد الفسح، وقيل: مسجد أحد لملاصقته بجبل أحد ذكره المتقدمون والمتأخرون من المؤرخين. وفاء الوفا للسمهودي (3/ 119) ، وهو من المواقع التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من غزوة أحد، فعن رافع بن خديج: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد الصغير الذي يأخذ في شعب الجرار على يمينك لازقاً بالجبل. تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 7). (ولم يكن قبل صلاته بالموقع مسجداً) .
والمسجد حالياً عبارة عن بقايا من الصخور فقط، وأول بناء له في عهد عمر بن عبد العزيز يرحمه الله. وقد اكتنفه البنيان حالياً حتى ضيق عليه الخناق من جميع الجهات واندثرت معالمه أو كأن قد، و يجهل أهميته ومكانته كثير من الناس، وشعب الجرار وما حواه من شواهد تاريخية ويأتي في مقدمة تلك الشواهد مسجد الفسح ثم الجرار ذاتها (المهاريس).
أقول: المهاريس من المواقع الجميلة جداً، خاصة في الصباح أو عند غروب الشمس وأكثر ما تكون جمالاً في أيام الربيع، وعند زيارة الموقع وخلال أعوام متفرقة يجد الكاتب دائماً ماء المهاريس كما وصف في كتب السير والتاريخ : أي متغير الرائحة واللون، وتحيط بالمهاريس صخور ملساء تنحدر حتى تلتقي مع بعضها في باطن الوادي، وتعلوه صخور متنوعة الألوان، كما يوجد شعب آخر يسيل شمال جبل أحد أقيمت به حالياً بعض الأسواق، وكانت عوائل المدينة قديماً تأتي إلى سيد الشهداء وإلى شعب الجرار أو المهاريس لتستمتع بالأجواء حول المهاريس أو الساحات الجنوبية لجبل أحد ووسيلة انتقالهم العربات التي تجرّها الخيول والأحصنة (جمع حصان) والحمير..