د. علي الألمعي
التعليم عامل أساس في تحسين جودة الحياة بشكل عام، ويعد أداة رئيسة لتحقيق الاندماج الكامل في المجتمع، وخاصةً في المجتمعات ذات التنوع الثقافي. ازداد الطلب على التعليم رغبةً في الحصول على تعليم ذي جودة عالية، قادرة على تزويد الطلاب بالمهارات المتقدمة والمعارف المتجددة؛ بالإضافة إلى أن أحد العوامل الرئيسة التي تدفع الحاجة إلى إصلاح التعليم هو سوق العمل المتغير والثورة التقنية المتسارعة وثورة الذكاء الاصطناعي. لذا تسعى كل الدول إلى عمل مشروعات إستراتيجية متوسطة وطويلة المدى، لتطوير أو إصلاح أوتحسين التعليم، ومهما تغيرت الأسماء يظل المطلوب واحدًا، وهو تقديم تعليم وتعلم ذي جودة عالية.
إن المتخصص والمتابع للتقارير التي تصدر عن الحراك التعليمي ومشروعات التطوير والإصلاح للتعليم في كثير من دول العالم منذ خمسينيات القرن الماضي، وخاصةً منذ صدور التقرير الأمريكي (أمةٌ في خطر) في عام 1983 وما بعده من تقاريركثيرة من دول ومنظمات عالمية، يجد أن النسبة الغالبة من الخطط الإستراتيجية لإصلاح التعليم وتطويره لم تنجح في تحقيق أهدافها، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه القيادات السياسية لتلك الدول للتعليم، وجعله أولوية، ووضع الموازنات المالية لتنفيذ عملية الإصلاح للتعليم. وفقًا لما ذكره Jimmie Butler2022 ، فإن نحو 60-90% من الخطط الإستراتيجية لم تحقق أهدافها أولم تطبق وتنفذ بشكل كامل.
إن النسبة العالية في عدم تنفيذ الإستراتيجيات، يجعلنا نفهم عدم وجود الالتزام في عملية إدارتها ومتابعتها بشكل دوري. التخطيط الإستراتيجي يتطلب الكثير من الجهد والوقت، لكنه سهل نسبيًّا إذا ما قارناه بعملية تنفيذها بنجاح؛ وكما يقال تتأثر جودة الخطة، ويفقد تنفيذها التركيز بسبب أسلوب إطفاء الحرائق اليومية التي تتبعه المؤسسة، وتضع له الأولوية.
جميعنا متفقون على أهمية تحقيق تعليم نوعي ذي جودة عالية، ومع ذلك فإن تنفيذ إصلاحات التعليم أمر صعب. وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل: لماذا تفشل إستراتيجيات تطوير التعليم وإصلاحه؟
قبل أن نجيب على السؤال السابق، وهو سؤال في غاية الأهمية، لا بد أن نقرر حقيقة وقاعدة أساسية، وهي أن نتائج إصلاح التعليم وتطويره لا تصبح ملموسة، إلا على المدى الطويل، بمعنى أن الأمر يستغرق سنوات قبل أن تظهر نتائج تطبيق إستراتيجية تطوير وإصلاح التعليم على جميع طلاب المدارس. هذا من جانب، ومن جانب آخر، المتابع لتنفيذ الإستراتيجيات يجد أن الاهتمام يذهب إلى نجاح تنفيذ المشروعات بصفة مستقلة عن أهداف الإستراتيجية، وليس نجاح الإستراتيجية بذاتها. كما أن فريق قيادة الإستراتيجية يمضي وقتًا قليلا في متابعة تنفيذها، حيث بينت دراسة نشرت في مجلة Harvard Business Review أن 85% من فريق قيادة الإستراتيجية يمضي ساعة في الشهر لمتابعة التنفيذ، كما وجدت الدراسة نفسها أن 5% فقط من الموظفين لديهم معلومات أساسية عن الإستراتيجية. بالنسبة للعديد من المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، الرؤى والإستراتيجيات هي مهمة للتزين بها، ووضعها على الرف، يتم الرجوع إليها في أوقات متباعدة، قد تصل لأكثر من سنة، وليست أداة عملية تحقق أهداف المنظمة ونموها.
إجابةً على السؤال الرئيس: لماذا تفشل إستراتيجيات تطوير التعليم وإصلاحه؟ يكمن في النقاط التالية:
- تغير الإستراتيجية قبل تطبيقها أو في أثناء تطبيقها بسبب تغير المسؤول الأول.
- ضعف الرقابة على تطبيق الإستراتيجيات من الجهات ذات العلاقة.
- عدم وجود نظام محاسبي ونموذج تقويم الأداء والنتائج.
- المركزية المفرطة واللامركزية المفرطة: حيث إن المركزية غير المفرطة لديها وضوح في تقسيم المهام والمسؤوليات وتوزيعها، ولديها أيضًا ضبط على التمويل وآلية توزيعه. في حين أن اللامركزية المفرطة تجعل من اتخاذ القرار أكثر تعقيدًا وضياعًا للمسؤولية على مستويات التعليم الثلاث: الوزارة، والمنطقة التعليمية، والمدرسة، مما يجعل مسألة المحاسبية صعبة التطبيق.
- وجود ضعف في تصميم الإستراتيجية مع غياب آلية وخطوات تنفيذ مفصلة وواضحة.
- عدم مراعاة واضعي الخطة الإستراتيجية القدرة على التنفيذ، من حيث نقص الخبرة وضعف امتلاك المهارات والقدرات للكادر البشري الذي يعمل على تنفيذ الإستراتيجية.
- ضعف تسويق الإستراتيجية على أصحاب المصلحة ومنفذيها، منذ بدء العمل عليها.
- بناء الإستراتيجية على تفاصيل كثيرة دون التركيز على القضايا الكبرى.
وبعد، يتبادر هنا تساؤل جذري مهم وهو: ما الحل؟ يكمن الحل قبل بناء الاستراتيجية وتنفيذها، في القيام بوضع سياسات عامة ومعايير محددة تحكم عملية بناء الاستراتيجية وآليات تنفيذها. إن الدمج بين السياسات المحددة والاستراتيجية يحقق فعالية عالية تضمن التوافق بين التوجهات العامة والتفاصيل التشغيلية والتنفيذ الملزم. يعد تنفيذ الاستراتيجية من أهم الخطوات وأكثرها طلباً للوقت والجهد؛ ولهذا ومن الناحية العملية فإن إقرار اجتماع متابعة شهري يشمل كافة القيادات الاستراتيجية مع تفعيل نظام المحاسبية كفيل بنجاح تنفيذها.