د. محمد بن أحمد غروي
وفقًا لمنظور منظمة العمل الدولية (ILO)، فإنه في ظل مواجهة العالم لعدد من التحديات المعقدة، من المهم جدًّا دراسة مؤشرات العمل الرئيسية لتقييم تأثير الأزمات غير المسبوقة، ومدى تأثيرها على قدرات بلدان العالم في تحقيق أهداف خطة التنمية المُستدامة لعام 2030، لذلك يُمثل استقرار سوق العمل الوطني من القواعد التنموية للبلدان المتقدمة؛ كونه ركيزة ومؤشرًا محوريًّا لمعرفة مدى التعافي والاستقرار الاقتصادي لبلد ما، ويتمثل ذلك في انخفاض معدلات البطالة وزيادة مشاركة القوى العاملة، فضلًا عن تمكين النساء في هذا السوق. أحرص دائمًا على متابعة نشرة إحصاءات سوق العمل المهمة التي تُصدرها الهيئة العامة للإحصاء؛ لأنها من المُنتجات الإحصائية المهمة، وهي نشرة ربع سنوية تُجمع بياناتها من مصدرين؛ الأول: المسح (مسح القوى العاملة)، والثاني: بيانات السجلات الإدارية لدى الجهات المعنية بسوق العمل، ممثلة في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
نشرة سوق العمل للربع الرابع من عام 2023، والتي صدرت قبل أيام قليلة، تعطي المتابعين والمراقبين لتطورات سوق العمل السعودي ارتياحًا وتفاؤلًا على المديين القريب والمتوسط، فمؤشرات البطالة من حيث الإجمالي (7.7 %) والبطالة بين السعوديين (4.4 %) في سن العمل، وهو الأدنى على الإطلاق - حسب البيانات المتوفرة منذ عام 1999- وهو مؤشر في غاية الأهمية، كونه يُمثل انخفاضًا تاريخيًّا لمعدل البطالة الإجمالي للسعوديين.
الأمر المهم الذي من المهم على الرأي العام استيعابه، هو الدور المحوري للجهود التي تبذلها منظومة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في مجال دعم وتمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل، وتمثل ذلك في تحقيق انخفاض تاريخي غير مسبوق لمعدل البطالة بين السعوديات حيث انخفضت نسبة البطالة في الربع الرابع من عام 2023م إلى 13.7 % بانخفاض قدره (2.6) نقطة مئوية عن الربع الثالث والبالغ 16.3 %. أتصور أن الدور الذي تقوم به وزارة الموارد البشرية يتمثل في التأهيل والتدريب، وهو مسار نوعي من المهم الاستمرار عليه؛ لأنه لا يعزز فقط من استقرار سوق العمل السعودي بل والقدرات الإنتاجية للاقتصاد الوطني، ويمكن الإشارة هنا إلى عدد المستفيدين والمستفيدات من البرامج التي يقدمها صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) لدعم تدريب وتوظيف وتمكين الكوادر الوطنية في عام 2023، حيث بلغ نحو 1.9 مليون، وبمصروفات دعم تجاوزت الـ 8.7 مليار ريال. من التحديات العالمية الكبرى التي تواجه أسواق العمل العالمية وفي رابطة دول آسيان تحديدّا، يتمثل في غياب التأهيل والتدريب، وأثني على الخطوة المحورية لوزارة الموارد البشرية بتوقيعها في ديسمبر الماضي على هامش النسخة الأولى من المؤتمر الدولي لسوق العمل GLMC 25 اتفاقية وشراكة تدريبية داعمة لبرنامجي «توطين» و»التدريب الموازي»، بالشراكة مع منظمة العمل الدولية والبنك الدولي، وهو ما سيسهم مستقبلًا ليس فقط في بناء وتعزيز فرص تمكين وتأهيل رأس المال البشري، بل ونقل الخبرات، وبناء المهارات والكفاءات الوطنية بالجدارات المهارية المطلوبة، وهو ما يحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 و»برنامج التحول الوطني».
الخلاصة النهائية للنشرة، هو أن النتائج الإيجابية تعكس استمرار سوق العمل السعودي في التوسع في استقطاب الكوادر الوطنية.