سارا القرني
قبل أيام زرت جدة التاريخية للمرة الرابعة تقريباً، وهذه المرة زرت أماكن لم تكن مخصصة للزوار من قبل، وأقصد بالأماكن.. الرواقات والأزقة التي يسمح بالمشي فيها رغم إغلاق جميع المباني والمتاحف!
موسم رمضان في جدة التاريخية مميز ومنظم بتنظيم عال جداً، بما يسمح بحركة مرور انسيابية وتنظيم للمشاة والطرقات بشكل احترافي، نشكر القائمين عليه، لكنه في الوقت نفسه يفتقد لبعض لمسات الحياة التي تضفي جمالاً وحيوية، مثل التشجير، إذ فات على القائمين بالمشروع تدعيم الممرات التاريخية ببعض الأشجار والنباتات التي تعطي لمسة هادئة وتمنح المكان رونقاً خاصاً به وتزيده سحراً، على الرغم من وجود بعض المساحات الكبيرة التي يتوسطها تشجير بسيط بلمسة تراثية مع إضاءات حضارية تعكس دمج الماضي بالحاضر، ولكن هذا ليس كل شيء!
سيدي ولي العهد.. تكفل بترميم 56 منزلاً تاريخياً على نفقته الخاصة بمبلغ تجاوز 13 مليون دولار، حيث إن المعالم التاريخية في جدة تحتوي على 600 مبنى تراثي و36 مسجداً تاريخياً و5 أسواق قديمة، لكن أغلب هذه المباني تحمل لوحات تعريفية بأسماء أصحابها.. دون تواريخ تذكر، أو حتى فرصة للاطلاع على المبني من الداخل!
كانت زيارتي في وسط الأسبوع.. وكنت سعيدة جداً بكل ما رأته عيني وبالحياة والناس الذين توزع انتباههم بين الفعاليات الموجودة والتسوق، والسياح الذين التقطوا بسعادة كاميراتهم لتوثيق العديد من الصور الجمالية والتاريخية بالمدينة، لكني كنت من ضمن الكثيرين الذين وقفوا على أبواب المتاحف ليقرؤوا «اللوحات التعريفية والإرشادية» فقط، دون أن يتمكنوا من دخولها لأنها مغلقة، والمحلات التي ارتصت على طول بعض الأروقة لم يكن فيها أحد ليتفاعل الزوار مع أهميتها التاريخية، ولم تكن متاحة للزيارة من الأساس رغم أنها مضاءة.. وكأنها هُجرت على حين غفلة!
لا أكتب مقالي لأبحث عن العيوب وأتناسى الجمال، لكنني أعشق هذه المدينة لأنني أقطن فيها وأعرف تفاصيلها الشيقة والجذابة، وأحزن لأنّ جدة التاريخية لا زالت مجرد «أسواق» وبسطات كبدة.. دون أشجار وحياة قديمة ومبان مفتوحة للزائرين!
قد أكون مخطئة في بعض ما قلته.. لكن الجزء الصائب في كلماتي يستحق من القائمين على المشروع أن يأخذوه بعين الاعتبار، لأنني اعتبرت نفسي أحد السائحين القادمين من خارج المملكة لرؤية معالم جدة وتاريخها، ولم يكن لي ولهم نصيبٌ سوى المشي في الممرات الضيقة بين كلّ تلك المباني الساحرة تاريخياً ومحاولة استراق النظر دون الدخول.
ولا أخفيكم أنني حين زرت المنطقة.. كانت هنالك مؤشرات هائلة بوجود منطقة سياحية جبارة مستقبلاً، استطاعت في الوقت الحالي جذب الزوار، وستكون مكاناً سياحياً بامتياز في المستقبل، ولو رأيتم ما رأيت.. لعرفتم أنّ جدة في السنتين القادمتين ستكون الوجهة الأولى سياحياً متفوقة على الكثير من المناطق التاريخية في المملكة، ليس حباً في جدة أقول هذا.. ولكنه السحر الذي أسرني وأسر الكثير من السياح تلك الليلة، وأنا أستمع لحديث بعضهم أنهم تأخروا في زيارة هذا المكان، وكان من المفترض أن يكون أول وجهاتهم عند زيارة المملكة!