«يعِزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عيني أُفَتِّشُ في مَكانكِ فلا أَراكِ».. ودعتنا منذ أيام، الأم الرؤوم الفاضلة، صاحبة القلب الحنون والفؤاد المخموم، التقية النقية، الفقيدة موضي بنت محمد بن زيد الفواز. أحسبها كذلك، وأشهد لها بذلك، والناس شهود الله في أرضه.
فارقتنا، رحمها الله، يوم الأحد الماضي الموافق 21 رمضان 1445هـ، في بداية العشر الأواخر من الشهر الفضيل، تاركة دنيانا القصيرة الفانية إلى دار الخلد عند مليك مقتدر، في دار كرامة الله ورضوانه وفضله، وامتنانه وجوده وإحسانه.
تركت أم محمد الفاضلة موضي فراغًا لا يمكن ملؤه، وحزنًا يصعب على الأيام مداواته.. فلا الوقت ولا الحزن قادران على تهدئة القلب لغيابها.
آه يا أم محمد وأشواك الأسى تلهب الأوجاع في قلب أسرتك ابناءً وبنات وأحفاداً وحفيدات, كيف ينسونك وذكراكِ على سفر أيامهم كتاب؟
لكن ليس لهم ولنا إلا التسليم بقضاء الله وقدره، وليس لنا إلا أن نعزي أنفسنا وأهلها وذويها بقوله سبحانه وتعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}، متأسين ومقتدين بنبينا صلى الله عليه وسلم.
إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنَّا بفراق الأم موضي لمحزونون.
نعم محزونون، وليس الحزن من فعلنا واختيارنا، ولكنه فطرة أودعه الله فينا، وأوقعه في قلوبنا، فلا نلام عليه إلا إذا قلنا أو فعلنا ما لا يرضي ربنا. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، وسبحان الحي الذي لا يموت.
جعل الموت مصيرًا حتميًا لعامة المخلوقات. كلنا يعلم أن مصيرنا إلى زوال، لكن مع رحيل الأمهات الغاليات، نشعر وكأن زوايا البيوت يخلو ضوؤها وينطفئ نورها، بينما حياة الطفولة تنتهي بوهجها، كما قيل: «يظل الرجلُ طفلاً حتّى تموتَ أمُّه، فإذا ماتتْ، شاخَ فجأةً».. فالفقد مؤلم، والفراق صعب، لاسيما فراق الأم، تلك الرّوح التي تركت فينا أعظم ذكريات، وتلك الليالي والأيّام التي كُنَّا فيها على خير حال. فكل شيء إذا ولى له عِوَض، ولكن ليس للأم بعد الموت من عوض.
ستظل مآثر الأم موضي وسيرتها الحسنة مدعاة للفخر ومجلبة للدعاء لها بالرحمة والغفران ما دام في العروق نبض وفي الصدور نفس، فقد جمعت رحمها الله محاسن الأخلاق وطيب الخصال.. كانت أُمًّا حانية شملت من حولها من الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات بعطفها وحنانها.. كانت كالغيث أينما حلت نفعت، تصل الرحم، وتعين المحتاج، وتواسي الحزين، سخاؤها يسبقها، صادقة إذا تكلمت، مخلصة إذا فعلت، همها وشغلها الشاغل رضاء خالقها، والتقرب إليه في كل سكناتها وحركاتها وخاصة ترديده في مجلسها العامر دائماً «اذكروا الله»، فيا الله أرحمها وألهم أبناءها الكرام (محمد وعبدالله وفهد ومجيد بن راشد بن دايل)، وكل أفراد أسرتها وعائلتها الصبر والسلوان.
اللهم يا رحمن يا رحيم اجعل الأم موضي بنت محمد بن زيد الفواز عندك في روح وريحان، وأقبل عليها بوجهك وأنت راضٍ عنها غير غضبان.. اجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأطعمها من ثمار الجنة وأسقها من شراب الكوثر في الجنة.. اللهم آمين وجميع موتى المسلمات والمسلمين.
** **
- لولوة بنت عبدالله