د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يمثل الوعي بالواقع مكوناً عاطفياً يمتد إلى كل مناحي الحياة؛ والوعي شرف من جملة النعوت التي تصفُّ في مقاييس الناس؛ ولا فرق في امتلاك تلك الصفة بين وعي واقعي محدث أو ماهو عتيق! المهم أن الوعي يوصلك إلى هدفك سالماً، ولاسيما أن زمر الوعي تلك هي مفاتيح الإصلاح، وطاقات المروءة ؛ وفيوض الرحمة التي ينطلق شعاعها من مختلفي النظرة، ومختلفي التوجهات، ومختلفي القيم التي اعتصرها واقعهم فعصرتها أنفسهم قطرات ندية تلامس الفضائل، وتدغدغ مشاعر الناس لتصل إلى مواقع الصفاء عندهم، فتسمو توقعاتهم عن الحياة وينتشرالأمل في محيطهم، وتقطر الثقة زلالاً تخضر معه رياضهم وحياضهم ليحفز عندهم مستودعات المعرفة ويقوّم العثرات التي لابد من طيها إلى الأبد لتتحقق مشيئة الخالق في عمارة الأرض {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)؛ وبالوعي نحترم قوانين الواقع وبالوعي نكون أفراداً وجماعات مؤثرين وفاعلين:
«إنما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنا لمن وعى»
وبالوعي تتحقق حالات التوقع المثلى لاستجلاب سرور جديد؛ كما أن ارتباط المفاهيم وإدراكها حسياً ومعنوياً هو من نواتج الوعي التي يقدمها الإنسان، ويسوقها ضمن إطار من الصدق والإخلاص وتعزف على أوتار النفس شعوراً وارفاً بأعماق الأعماق لتبدأ قوافل الإصلاح تشق لها طرقاً ممهدة، وتصمّم لها لوحة جميلة تزينها الفطرة السليمة؛ وسمو المبادئ العليا فيكون النصح كالأمواج المحتدمة التي لايقرُّ لها قرار إلى أن يشاء الله رب العالمين.
ومن تباشير الوعي أن تتبدَّد أسراب التخرصات التي تتوافد على الفكر الإنساني، وربما تقضي على الأخضر واليابس في ذات نقية كان ديدنها الحلم والأناة والحكمة، وإذا كانت المحبة قسيمة الحياة فإن للوعي لحظاتٍ في الخصوصية يتمازج فيها الشعور بما تتطلبه المشاركة الوجدانية في عمارة الأرض من خلال الإدراك الكامل لما يجب أن يُقطف من الثمار وما يجب أن يُعالج لينضج أو أن يبقى في عرائسه لأزمان معينة! والواعون لمفاصل القول والفعل هم الذين يعيشون اللحظات متعددة الميلاد فتستوعبها نفوسهم في كل الأمور التي تبعث النفس على الفعل أو الترك لأن مدارج الحياة تبحث عن البشر وهم في أنماط خاصة لتحقيق الرؤية الموضوعية المعتدلة للحياة؛ ولتوليد أصداء جميلة عن نواتج السعي والكفاح من أجل بسط الظلال على أماكن الكادحين الذين يحملون تفاصيل الذخائر الملأى بالإشارات إلى التجارب الثرة حيث وهج الإيمان يشرق من نفوسهم بأن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض لتصبح الأرض مخضرة وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (القصص:77)، وحيث يستطيع الإنسان أن يستبدل واقعه في أحواله الضيقة بمعانٍ أنيقة واسعة إذا ماكان الاعتدال والتفاؤل مفتتحاً لكل شأنه. فالمعادلة لا تعدو إلا أن تكون اتصالاً بالخالق - عز وجل - ومن ثم تسخير طاقات الإيمان لإيقاد شعلة الانطلاقة نحو مناكب الأرض؛ وفي تلك الواحات الواعية ينتصر العقل فينتشر السلام والإخاء وتمنح النفس الإنسانية دوراً متقدماً في الأحساس بالمجتمع ونستطيع أن نبلغ أولوياتنا؛ ومن أين نبدأ؛ وإلى أين نتجه ومن ثَمََ نحدد ماهي الدلاء والرواحل التي تصلح لتلك المفازة دون سواها؛ ومايصلح لأعالي الجبال؛ وما يناسب السهول المنبسطة؛ وماهو لازم لأجواز كثيرة جف منها الضرع! وتلك أوقات جديرة بالتأمل وامتزاج جدير بالتوقف واتحاد صحيح دون معاهدات؛ لايلزمه مبضع جراح ليفصله يوماً؛ ولايُبَرهن عنه بأدلة فالوعي نهار تسطع شمسه:
بوح الختام،
وليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهارُ إلى دليل
المتنبي...