خالد بن حمد المالك
خلال اليومين الماضيين استذكر العالم، وعادت به الذاكرة إلى حدث مأساوي راح ضحيته 17 مدنياً يعملون في صحيفة (شارللي إيبدو) انتقاماً في تصرف فردي قام به أحد الغيورين على الإسلام انتصاراً للرسول محمد صلى الله عليه وسلم على إثر ما نُشر في الصحيفة من رسومات مُسيئة للرسول، دون احترام لمشاعر المسلمين، مع تكرار إيذائهم بمثل هذه الحملات الإعلامية الممنهجة ضد الإسلام ورسوله وأنبيائه وقرآنه.
* *
ومع أننا لا نقر هذا النوع الدموي في الانتقام، وننكر في المقابل نشر مثل هذه الإساءات في تصرف أحمق، ونرى أن المعالجة كان يمكن أن تكون من خلال ضبط العمل الإعلامي في الصحيفة، وإحكام الرقابة على ما ينشر فيها من رسومات قبيحة، ومنع رسام الكاريكاتير في الصحيفة من التطاول والإساءة لما يمس مشاعر المسلمين حتى لا يحدث ما حدث، إلا أن ما قصدته من إثارة هذا الموضوع هو فقط للمقارنة بين الموقف الدولي بين ما يجري في غزة، وما كان قد جرى في باريس إثر حادث الصحيفة الفرنسية.
* *
في حادث الصحيفة تنادى العالم ليس فقط للإعلان عن شجب التصرف، وإنكار هذا الاعتداء، ولا الاكتفاء بالترحم على الأبرياء الذين كانوا ضمن القتلى، ممن لم يكن لهم يد أو مسؤولية فيما نشر دون التزام بشرف المهنة الإعلامية، فكيف أن العالم تسارع للإعلان عن تضامنه مع فرنسا والصحيفة والقتلى وأسرهم بما لا سابق له، وأعني بذلك قيام أغلب زعماء العالم ورؤساء الحكومات بالتجمع في باريس للتنديد والاستنكار لمقتل 17 من العاملين في الصحيفة، فيما يتجاهلون حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة.
* *
أعادت حرب غزة حادث الصحيفة الفرنسية إلى الواجهة من جديد، وتناقلت منصات التواصل الاجتماعي ما كان من مسيرة كبيرة وسط العاصمة الفرنسية عام 2015م قام بها رؤساء دول وحكومات وشخصيات متضامنين مع فرنسا والصحيفة وأسر القتلى، بينما - وهذه للمقارنة - يُقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، ويصاب أكثر من 88 ألف بجروح، وبينهم الأطفال والنساء وكبار السن، ولا يكتفي قادة وحكومات العالم بدعم إسرائيل بالسلاح فقط، وإنما بالتضامن معها برفض وقف إطلاق النار.
* *
أي عالم هذا؟ 17 شخصاً هزَّ مقتلهم دول العالم، وأكثر من 100 ألف بين قتيل وجريح لم تُحرك الإنسانية والشعور بالذنب لدى دول العالم، أليست هذه هي المعايير التي لا تتعامل بعدل من قِبَلِ هذه الدول، وأنها تتصرف بلا إنسانية مع شعب لا يطالب بأكثر من حقوقه وأرضه وحياته ككل البشر على هذه الأرض، أسوة بكل أحرار العالم.
* *
لقد ذكرتني مأساة الصحيفة الفرنسية من جهتين، الأولى إساءاتها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو تصرف مرفوض ومدان، ويعد استفزازاً لمشاعر المسلمين، وينمّ عن حقد دفين للإسلام والمسلمين وأنبيائهم ورسلهم، وأن معالجة هذا القبح في تصرف الصحيفة لا يتم بمثل ما فعله المسلم الغيور الذي أراد أن ينتقم لنبيه فأصاب ضمن القتلى من ليس له ذنب فيما كان سبباً، والثاني وهو هذا الحضور العالمي الكبير والمهم في التضامن مع حادث باريس, فلماذا لا يتم مثله أو بعضه في التضامن مع حادث قطاع غزة؟، فقط هو سؤال استنكاري مني، لأن فاقد الضمير والإنسانية والعدل لا يُنتظر منه إلا بما نراه من مواقف لهؤلاء من حرب الإبادة في غزة؟!.