رمضان جريدي العنزي
يقول الله تعالى في الآية 39 من سورة يس: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، والعرجون القديم ما يحمل ثمار النخلة، وسُمي عُرجوناً من الانعراج، وهو الانعطاف والتقوس، والعرجون إذا قُطع من النخلة صار أصفراً دقيقاً مقوساً، وكلما مر عليه الزمن وتقادم أصبح أكثر ضعفاً وذبولاً واصفراراً، فما أشبه منازل القمر بمراحل عمر الإنسان الذي يبدأ طفلاً، ثم صبياً، ثم غلاماً، ثم شاباً يافعاً، ثم رجلاً قوياً، ثم كهلاً ضعيفاً، ثم شيخاً هرماً واهناً، فسبحان الله الذي جعل لنا واعظاً في أنفسنا وفيما حولنا.
إن صاحب العقل الناضج، والحكمة البالغة، يدرك هذا جيداً ويعيه، ومن ثم يتزود للحياة الأبدية الآتية بمزاود الخير العديدة والمتنوعة، ويستعد لذلك بيقين تام، وإيمان عميق، ونفس مهذبة، وكلما كان ذلك حاضراً في التفكير والفهم والتخطيط، كان الهدف واضحاً، والمسار سليماً، والخطوات واثقة، والنتيجة الفوز والسعادة والهناء الأبدي.
إن في الحياة صعوبات وتحديات ومعوّقات وحواجز تواجه الإنسان في جميع مراحل حياته، فهناك من يواجهها ويتغلب عليها، يفوز وينتصر، وهناك من يستسلم لها ويخضع لها، فيعيش الضياع والتشرد، لكن لو تأملنا وتدبرنا في هذه الحياة لوجدنا فيها المتناقضات العجيبة، والتضادات البائنة، لكن الإنسان العاقل البصير هو من يعرف كيف ينسج خيوط الحياة بدقة متناهية، واحترافية مغايرة، إن الإنسان الذي يعيش العقل والفهم والحكمة والنضوج الفكري يستطيع أن يحيا حياة كريمة فاعلة متزنة بكل تفاصيلها، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المقولة المنسوبه له، «عش لدنياك كأنك تعيش أبداً، وعش لآخرتك كأنك تموت غداً» إن هذه العبارة الحكيمة تمثل المعادلة الصحيحة، إن على ميزان المرء أن لا يختل في هذا الأمر، وعليه أن يكترث بالدنيا ويعمل للآخرة معاً ويعلي من شأنهما كما أراد الله تعالى، إن اختلال هذه المعادلة يعني السقوط والفشل والخسران المبين.
إن على الإنسان أن يفجر ينابيع الأرض، ويستغل طاقات الأرض التي سخرها الله له، متخذاً كامل الأسباب لتحقيق هذا الهدف، إن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمال الدنيا وتركها بلا جهد لتحسينها وإصلاحها، وإنما الدنيا مزرعة الآخرة، إن الدنيا لها وظيفة، والآخرة لها وظيفة، فالدنيا دار الإيمان والعمل، والآخرة دار الثواب والعقاب، والعاقبة للمتقين.