د. إبراهيم بن جلال فضلون
إنه يوم الأنسنة بالحياة وفرحها، لأنهُ من الله هبة ربانية وسُنة نبوية، تجتمع الأمة الإسلامية كُلها في شهود شعائره وطبيعته الاحتفالية الخارجة ونشاطاته (لعب ولهو) بلا مُحرمات حاملة الوعي الجمعي أكثر من كونه اجتماعياً فقط، بشموليته التكاملية في مبدأه الجميل في التجمع بعيداً عن الفردية والانعزالية، مما تجعل قلوبنا تلتقي على السرور لقدوم العيد، فطرةً وليس تكلفًا أو تظاهرًا، كما في الأعياد الدنيوية التي تتفاوت مشاعر الناس خلالها، وأعياد الأمم الأخرى وطرائق عاداتها وتقاليدها المحرمة، فمن أحسنِ وأحكمِ ما قرأت قول أحدهم: «إنه كلما تأخرت أمَّة، كثُرت أعيادُها».
ومن نِعم الله - تعالى - علينا أنه شرَع لنا إقامة العيدين في توقيتين مُتحركين مع السنة القمرية، ليجعلنا الخالق نشعُر بالتنويع والتجديد، بين فصول السنة الأربعة باختلاف السنوات، وهو من أسباب نجاح ما يسمى: «الترويح» في علم الاجتماع، هو من وسائل «الترويح» الفعال في تنفيس الكُربات، لتتلاقى فيها مُختلف مراحل حياتنا أفراحنا مع أتراحنا، مصائبنا وانتصاراتنا، فالإسلامُ دين حركي (ديناميكي)، وغيرُ معطِّل هو ضامن للصحة النفسية للإنسان، وقوة دافعة للمسلم لينهض بمجتمعه وبأمته، التي هي بالأصل {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110).
وكأن جموع المُسلمين ضيوف كرام على مائدة المودة وصلة الأرحام والتراحم بطقوس إيمانية ذات دلالات روحانية تستعيد فيه النفوس حيوات سابقة على الخطية، أو احتفاء ببهجة اليوم، والأنس، وقد عبر عنه أمير الشعراء أحمد شوقي في ديوانه (هلل في ذراك وكبرا)، منشداً:
العيدُ هلّل في ذُراك وكبّرا
وسعى إليك يزف تهنئة الورى
وافى بعزك يا عزيز مُهنئا
بدوام نعمتك العبادَ مُبشِّرا
لنغتنم النفحة الربانية من رب العباد، بما تتجلى فيها أسمى معاني الرحمة والعفو، مستمرة في مدرسة الحياة، لكننا نجد اليوم السعي لتحويل العيد إلى طقسٍ كئيب بعيداً عن حقيقته، فمِن الأُسَر والأفراد مَن يسافر إلى دول غير مسلمة للتسلية والفرح، وقد تناسوا أن وطننا قد أبهج أماكننا السياحية فصارت وطناً يتهافت عليه العباد للسياحة، فالتجديد الاجتماعي والنفسي مطلب رئيس لاسيما في العيد الذي لا ينتهي بانقضاء أيامه ولياليه، بل تستمر مادامت الحياة وفي وصال الفقراء المتعففين بين الأهل والجيران والأصدقاء الغُرباء وغيرهم، وفي الزكاة والصدقات، ولبسُ الجديد من الثياب، والتوسعة على الأهل، وعلى عامة المسلمين غير القادرين، وأكل الطيِّب من الطعام، وتقديمه للضيف؛ إظهارًا لنعمة الله وشكرًا، دون إسرافٍ ولا بَطَرٍ؛ وليرسم البسمة على الوجه ونور الطاعة، فما أجمل صباح العِيد! وما أَسعد أَهلهُ، برحمةِ اللهِ وكرمه، وأهنئكم وأهنئ شعبي وأمتينا العربية والإسلامية بعيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات.