خالد بن حمد المالك
شعر الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإحباط من سلوك إسرائيل في الحرب، ولكنه بعد أن قُتل من الفلسطينيين أكثر من 33 ألف مواطن بينهم نساء وأطفال، وبعد أن هدمت منازلهم، وهجروا من الشمال للجنوب، ومنعوا من العودة إلى شمال قطاع غزة، مع استمرار منع دخول المساعدات، واستمرار حرب الإبادة، وكأن أمريكا تريد أن تقول للعالم بأنها شريك مع إسرائيل في تغطية تكاليف الحرب، ونتائجها المدمرة.
* *
لا بأس أن يكون الرئيس الأمريكي في حالة إحباط، وأن يُصر على فتح المعابر لدخول المساعدات حتى لا يستمر تجويع الفلسطينيين بهدف قتلهم، ولكني أتساءل: أما كان أمام هذا الشعور الإنساني المتأخر أن يطالب إسرائيل بإيقاف القتال فوراً؟ لا الاهتمام فقط بالرهائن الإسرائيليين، والطلب بالإفراج عنهم، مع مواصلة القتال، وأن يكون دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح وفق ما يجب أن يتم التفاهم عليه بين أمريكا وإسرائيل، مراعياً الحد من القتلى المدنيين، بعد أن وصل عدد القتلى والجرحى إلى أكثر من 100 ألف بين قتيل وجريح.
* *
حسناً، لنفترض أن إسرائيل تريد أن تنتقم لقتلاها ومصابيها ورهائنها في 7 أكتوبر، ألا يكفي ما قتل بين الفلسطينيين من الأبرياء الذين لا علاقة ولا دور لهم بما حدث في 7 أكتوبر، أم أن الهدف الأمريكي - الإسرائيلي أبعد من ذلك بكثير، وأن المؤامرة ليست بعيدة عن تعزيز الاحتلال الإسرائيلي على كامل فلسطين، في نكبة جديدة تمنع أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية، بما يخالف قرارات الشرعية الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة.
* *
إحباط الرئيس الأمريكي لم يشعر به إلا عندما قتل الإسرائيليون سبعة من الأجانب ممن يقومون بأعمال إنسانية وإغاثية، وليسوا طرفاً في الحرب، وكأن الضمير الإنساني لدى الولايات المتحدة الأمريكي يحتاج إلى مثل هذا الحدث المأساوي حتى يلمس حجم حرب الإبادة لشعب بأكمله في أرضه المحتلة، ورفض إسرائيل لكل المطالبات بإيقاف الحرب، متجاهلة كل الضغوطات الدولية عليها، معلنة أن إيقاف الحرب مشروط باستسلام حماس، والإفراج عن الرهائن، دون أدنى اعتبار لإنقاذ الأرواح من القتل الممنهج.
* *
لقد لاحظنا أن إسرائيل تستجيب لطلبات أمريكا إذا ما كانت واشنطن جادة ومطالبها حقيقية، بدليل سرعة استجابة تل أبيب بفتح ممرين لدخول المساعدات، وأن 500 شاحنة سوف تنقل المؤن يومياً إلى قطاع غزة، بما في ذلك الشمال، لأن الرئيس الأمريكي قال إذا لم تسمح إسرائيل بدخول احتياجات سكان قطاع غزة من المساعدات، فسوف تتغيَّر علاقاتنا معها بشكل كبير، وأن على إسرائيل أن تقوم بتغييرات إنسانية مستدامة، ما جعل رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو يذعن للمطالب الأمريكية، وإن لم يحقق كل ما يجب، بما في ذلك وقف الحرب فوراً.
* *
ومع أن الرئيس الأمريكي أعلن أن سلوك إسرائيل في الحرب سيتم تقييمه على ضوء الاستجابة لمطالب واشنطن، وعلى ضوء التغييرات التي نحتاج إلى رؤيتها، ووقف أي وجود إسرائيلي مستقبلي في قطاع غزة، وأنه سوف يرسل مستشار الأمن القومي الأمريكي لمتابعة خطوات تغيير سياسة إسرائيل، إلا أن إسرائيل سوف تراوغ، وتضلل، وتكذب، وتناور، لكي لا تخسر الدعم الأمريكي، وفي المقابل لن تغيِّر سياستها في تدمير القطاع، وقتل المواطنين، امتداداً لنهجها منذ قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عام 1948م.
* *
لقد آن الأوان كي تغيِّر الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها أولاً، لأن إسرائيل بدون ذلك لن تغيِّر سياساتها، حتى وهي ترى دول التحالف مع أمريكا تقوم بتغيير سياساتها نحو إسرائيل، بحسب ما صرح به الرئيس الأمريكي نفسه من أن حلفاء أمريكا أبلغوه عن تحول في سياساتهم نحو إسرائيل، الأمر الذي يستدعي مواجهة إسرائيل كدولة محتلة ومعتدية ولا إنسانية، وإلزامها بأن عليها أن تقبل بخيار الدولتين لإنهاء هذا الصراع التاريخي الظالم لشعب تُحتل أرضه، ويُعامل بهذه القسوة على أيدي الإسرائيليين القتلة، وبدعم من أمريكا والغرب.