علي الخزيم
- في أمسية مباركة من أمسيات رمضانٍ كريمٍ كانت النسوة - والفتيات بِصُحبتهن - يَدلِفن للأسواق لاستكمال حاجاتهن ومستلزماتهن لصبيحة عيد الفطر؛ وأخريات يَنهمِكن بالإعداد والتحضير لطعام العيد وما يسبقه ويلحقه من القهوة والشاي وما يصاحبهما عادة من مأكولات ومُشهّيات خفيفة تليق بالمناسبة؛ كانت والدتي - عظم الله أجرها - في هَمٍّ يشغلها عن ذاك كله، فبين سعادة استقبال العيد وفرحة الصغار وبين مُتطلبات الكبار وأعمال المنزل التي تشقُّ عليها جداً تلك الليلة كنت الشاغل الأهم.
- لا أمل قصصها عن مجريات تلك الليلة كلما حَلَّ رمضان أو أقبَل عيد؛ فلها مع تلك الذكريات ما جمع لها بين الألم والأمل والفرح وتحمُّل تبِعات المخاض الذي تم ولله الحمد والمِنّة بيسر وسهولة، لعله بفضل صِدق أولئك الطيبين بالدعاء، ولأن ذاك الجيل من النساء لا يعمدن للراحة خلال أشهر الحمل؛ بل العمل هو العمل والحياة جميلة طيبة ما طابت الأنفس والقلوب؛ وثَمَّة سبب - أراه وجيهاً جداً - ذلكم أن المولود القادم كان أنا بذاتي، فلعلي أزعم بأنني كنت لطيفاً بقدومي، سمحاً هادئاً مع الوالدة الحنون.
- قد يستغرب أي أحد من زعمي أو وصفي لذاتي باللطف والهدوء! غير أن لديَّ دليلاً ومُستمسكاً أجده من أغلى الأوسمة؛ ذلكم هو شهادة (نبع الحنان) التي ردَّدتها غير مرة بأنني كما وصَفتُ وأكثر، وهذا بالتأكيد لا يعني أن الأشقاء كانوا غير ذلك، لكنّي أتحدث عن قصة ولادتي بجزئية ليلة العيد وبأني لم أكن ذاك المزعج المُعكّر لسويعات استقبال العيد وبهجة أيامه، وهل يستكثر الإنسان على نفسه هذه الصفات والطباع؟! أنا أثق بأني - ولله الحمد - أتحلى بكثير منها.
- قد يُعاب على المرء ثناؤه على ذاته واستعراض واستذكار بعض صفاته الحَسنة على الملأ؛ وقد نتفق على هذا، لكن حين يُثنِي المُتحدث على غيره يُشكر ويُنعت بالمُنصف النزيه؛ وحين تزخر كتب الأدب العربي وغيره بأشعار وتدوينات من أثنوا على ذواتهم وأشادوا بأنفسهم؛ بل وملأوا الكتب والقصائد فخراً بأهلهم وجذورهم فهو مما لا بأس به؛ فلِم نَمْتَعض أحياناً من إطراء المرء لنفسه وامتداح جوانبَ من خصاله، أقول: لعله من غير المرغوب؛ لكن التجاوز والإغضاء عمَّا لا يُشين هو كذلك من طباع الكرام، خُذها بروح رياضية.
- فمَن التفت لتعليقي على قصة ولادتي ليلة عيد مبارك (تسعدني ذكراه والروايات اللَّطيفة مِمَّن أنجبتني سويعات ذاك الفجر المشهود): فإن أخذه على سبيل الدعابة وزاد بابتسامة صافية فذاك هو، وإن أرادها جادَّة ومشاعر صادقة وتعبيراً عن الوفاء لكل أم فالأمر بمكانه، وفي كل الأحوال فإن بين الإنسان وأخيه تكمن روابط المحبة والتصافي؛ والتجاوز ما أمكن عن القياسات الخارجة عن إطار النوايا الحسنة، وما هي إلَّا كُليمات من الذاكرة العطرة لعلها تناسب صبيحة العيد، بارك الله عيدكم وأسعدكم.
- للشاعر كريم معتوق:
(يَخضرُّ حقلُ حُروفي حين يَحملها
غيمٌ لأمي عليه الطيبُ يُقتَطفُ
والأمُ مدرسةٌ قالوا وقُلتُ بها
كل المدارسِ ساحاتٌ لها تَقفُ)