د.محمد سليم
خلال زيارتي للسعودية عام 2018 انبهرت بالوئام المجتمعي والانسجام الطائفي الذي لمسته في مختلف شرائح المجتمع السعودي على كافة الأصعدة، وبصفة خاصة في الجانب الديني والمذهبي منها، ولاسيما عند زيارتي لمساجدها وتأديتي الصلوات فيها، فالشيء الذي أثار إعجابي أكثر احترام السعوديين للانتماءات المذهبية، فهذا حنبلي يؤدي صلاته واقفاً بجانب الشافعي أو الحنفي بكل طمأنينة وتؤدة، الأمر الذي يحيل الاعتبارات المذهبية إلى الاحترام المتبادل وهم في مناجاة مع ربهم، ولعل سبب انبهاري بالأمر كان راجعاً إلى عدة أمور، أهمها وجود الطوائف الإسلامية المتطاحنة في الهند وشبه القارة الهندية على وجه العموم، وتشرذمها وتشتت كلمتها، وهي ظاهرة تؤدي إلى إقامة مساجد معينة لطوائف معينة، ويتفاقم الوضع أحياناً إلى درجة منع دخول منتمي المذاهب المعينة إلى مساجد المذاهب الأخرى يتوهم فيها أنها قد تخترق حرمتها، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على جهلهم برسالة الإسلام السمحة والثابتة والداعية إلى انتهاج منهج السماحة والوسطية والاعتدال الذي يكمن فيه الخير الكثير.
ومن هنا يمكننا أن ننظر إلى سعي السعودية الحثيث وراء جمع رموز مختلف الطوائف الإسلامية من بقاع العالم تحت مظلة واحدة عن طريق عقد مؤتمر دولي بعنوان «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية»، وما تلاه من إطلاق «وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» في 24 من مارس لعام 2024م، فهي تمثِّل دعوة نحن أحوج ما نكون إليها في عصرنا المعاصر المتخم بالانقسامات الطائفية، والمشحون بالانفعالات غير العقلانية المؤدية إلى الشقوق والصدوع داخل الكيان الإسلامي المعاصر، والتي غالباً ما تفضي إلى عواقب وخيمة تنهك جسد الأمة وتضعف قواها. ونظراً لذلك، فمن صميم الحكمة أن نرى السعودية بثقلها الديني والسياسي تسعى سعياً دؤوباً إلى لم شمل الأمة ورأب الصدع داخلها، حيث من المتوقع أن يتيح المؤتمر وما جرى خلاله من مباحثات من أجل إزالة المعوقات في سبيل وحدة الأمة فرصة للخروج بآليات وتوصيات مثمرة وفعَّالة يمكن تنفيذها على أرض الواقع، وهو أمر دأبت عليه السعودية بكل إمكاناتها وجهودها عبر القرون، فدوماً وجدناها تضع العمل من أجل الارتقاء بالأمة نصب عينيها.
ومن ناحية أخرى فنحن على أمل أن يؤدي هذا المؤتمر وقد تم اختتام جلساته بعقد المزيد من الندوات وورش عمل تم خلالها نشر تعاليم الدين السمحة ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ردم الهوة القائمة بين مختلف الطوائف الإسلامية في العالم الإسلامي. هذا، وكما ينبغي التطرق في هذا الجانب إلى ضرورة إيفاد جماعة من العلماء والأئمة المؤهلين ذوي الخبرات في مجال العمل من السعودية وغيرها من الدول إلى مختلف بقاع العالم الإسلامي من أجل تدريب الأئمة والعلماء المنتمين إلى مختلف الطوائف الإسلامية من أجل التقليل من رفع النعرات الطائفية وضرورة العمل على نشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال، وذلك أمر ممكن إنجازه من طرف دولة عزيزة وقوية في حجم السعودية بثقلها الديني والسياسي وكوادر العلماء المميزين الموجودين لديها.
**
- باحث وأكاديمي هندي مقيم في نيودلهي