م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- أحد أكثر مواطن الضعف الإنساني شيوعاً هي المماطلة أو التسويف وتأجيل عمل اليوم إلى الغد، ثم إلى بعد الغد، ثم إلغاء الموضوع برمته مهما كانت التبعات.
2- المماطل يعرف أن عليه القيام بما هو مكلف بعمله، لكنه تحت ظروف الكسل، والهيبة، والتكلفة، وضعف الدافعية رغم الأهمية، يبدأ بخلق الأعذار والمبررات للمماطلة والتسويف «حتى يفوت الفوت فلا ينفع الصوت» كما يقول المثل الشعبي، ثم يبدأ بلوم نفسه وربما جَلْدِها.
3- كون المماطلة سمة شائعة في الناس، هذا جعل منها سمة شبه مقبولة، نعم هي سمة معيبة لكنها ليست جريمة.. وحيث إن لدى الإنسان أموراً كثيرة عليه القيام بها فإن تأجيل بعضها يعد أمراً مقبولاً.. هذا القبول يعمل في النفس البشرية ما تعمله أفكار تكبير الصغائر التي تؤدي إلى تصغير الكبائر، فتصبح المماطلة في الأمور الكبيرة كالمماطلة في الأمور الصغيرة.
4- سلوك التسويف والمماطلة له أثر سلبي على النفس البشرية، فهو يُشْعِر بالذنب ويُورث القلق والانزعاج، لأن المماطلة هي إحدى حالات الهروب والخوف من المواجهة والشعور بالوهن، وعدم القدرة والانصياع للشهوات والأهواء.. المماطلة تحرم المصاب بها من عيش حياته اليومية بشكل سليم وصحي سواء على المستوى الاجتماعي أو العملي.
5- لا شك أن المماطلة حماقة مهما افتعلنا من أجلها من مبررات وأسباب.. وهي دلالة عجز غير مُعْتَرَف بها، تجعل الشخص المماطل يبحر في بحر الأماني والأحلام ولا يصل إلى مرافئها بل هو مبحر أبدي بين شواطئها، يعيش الوهم ويقتات على الآمال، وتنتهي به الدنيا منتظراً على رصيف العاجزين.
6- حينما يقرر الإنسان القيام بشيء ما فهو بكل تأكيد يملك القدرة على القيام بذلك، لكن لحظة أن يبدأ في التسويف والمماطلة فهو بذلك قد استسلم للسلوك الهروبي والتشكيك في نفسه وخداع ذاته.. فالمماطلة هي وسيلة للهروب من مواجهة الحاضر، لعل وعسى أن يحل الموضوع نفسه!
7- المماطلة هي حالة من تجنب الحاضر، ومن المبررات لاقترافها: انتظار أن تَحُل المشاكل نفسها، أو لأن هناك أموراً يجب القيام بها أولاً، أو سوف أنتظر حتى أتأكد من أنني سوف أقوم بالعمل على أكمل وجه، أو أريد أن أبدأ بهذا العمل مع مطلع الشهر أو العام أو الصيف، أو أنا من الناس الذين يقومون بالأعمال في آخر لحظة.. إلخ.. الحقيقة أن كل تلك المبررات ما هي سوى أعذار بلا معنى.
8- المدهش في ممتهني التسويف والمماطلة أنهم سادة الانتقاد، وإحدى أهم مهاراتهم هي اكتشاف عيوب الآخرين وأعمالهم، ولو سألته أن يعمل عملهم لهرب من ذلك بمهارة أيضاً.. لأنه بكل بساطة على خلاف الشخص المُنْجِز الذي لا يملك الوقت لنقد الآخرين، بينما المماطل يملك الوقت كله لذلك، إضافة إلى أنه جالس في الخلف يراقب على راحته وبتركيز.. أيضاً هو بانتقاده للآخرين يريح نفسه لأنه في داخله يعيش ألم الشعور بأنه مماطل مُسَوِّف فاشل، وهو أعجز من أن يرتقي لمصاف المنجزين، فوجد أنه من الأسهل أن ينتقد أعمال المنجزين لعله يسحبهم لمرتبته، وإن لم يستطع فهو يحرر نفسه من مسؤولية عجزه.
9- أشهر أنواع المماطلة هي مماطلة المدمن، الذي يعد نفسه ليل نهار أنه سوف يقلع عن التدخين، أو الكحول، أو المخدرات، أو السهر، أو غيرها، لكنه لا يُقْدم ولا حتى يحاول، بل يقاوم الفكرة بشدة كلما ساءت حالته.. المماطل هو الذي يُحْجم عن مواجهة مخاوفه، ويعيش رهبة تغيير عمله غير المناسب له، أو سكنه غير المرتاح فيه، أو مواجهة علاقاته التي تعتريها المشاكل سواء مع زوجته، أو أبنائه، أو زملائه أو جيرانه.. أو لا يحضر المناسبات الخاصة أو العامة لأنه مملوء برُهَّاب الجموع، أو لا يبدأ برنامج الحمية الذي كان من المقرر أن يبدأ به العام الماضي.. وهناك من يماطل بزيارة الطبيب لمشكلة صحية يعاني منها لكنها لم تُقْعِده لذلك فهو يتحملها رغم مخاطر إهمالها.
10- تقوم المماطلة على ثلاث ركائز وهي الخداع والهروب والكسل، وهي ثلاث حالات نفسية وليست عضلية أو عقلية.. فالكذب على الذات وخداعها يعطي راحة للنفس من أن المماطل غير فاعل، والهروب يريح النفس من الالتزام بواجب أو الحاجة إلى التغيير، أما الكسل فهو آفة من يريد الدعة والاسترخاء والسكون وكراهية التغيير والنفور من المواجهة.. الكسل في رأيي هو آفة إنسانية لا ينفع لعلاجها سوى الدفع من جهة خارجية.
11- للمماطلة مخاطر فهي تصيب صاحبها بالتوتر والقلق وتأنيب الضمير، تماماً مثل الذي يدمن على الكحول وهو يدري أنه يفتك بكبده لكنه لا يستطيع تركه.. فالمماطل يرى أن الحياة تسير وأقرانه يتعدونه والفرص تتخطاه وهو قابع في مكانه يدعي أنه مشغول ومنهك، ويبرر لنفسه أنه مثل «خراش» الذي تكاثرت الظباء عليه فما يدري ما يصيد، فقعد مكانه.
12- علاج المماطلة سهل يسير وهو أن يبدأ في العمل والباقي يكون مجرد تفاصيل.