محمد السيد
أطول حربٍ تخوضها إسرائيل منذ قيامها هي تلك المندلعة الآن منذ نصف عامٍ، استُخدِمت فيها كافة أنواع الأسلحة عدا النووية، خلالها تم تسوية معظم بيوت الغزيين بالأرض وتشريدِ السواد الأعظم منهم إلى الجنوب، وصولاً إلى الحدود المصرية، وقتل وجرح عشرات الآلاف من الناس ناهيك عن المجاعةِ والأمراض التي تتفشى بينهم. حربٌ هي الأشرس منذ نحو خمسة عقود تكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة ولم تتمكن حتى اللحظةِ من الوصول إلى أهدافها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، حيث ما زالت الرؤوس المطلوبة لها قبل وبعد السابع من اكتوبر تدير المعارك بشكلٍ أو بآخر، وما زال أكثر من مائة وعشرين إسرائيلياً مختطفاً لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول اليهم وتحريرهم كما وعد ويعِدُ نتنياهو الإسرائيليين في كل مناسبة. نصف عامٍ من الحرب الضروس التي وقفت خلالها إلى جانب إسرائيل معظم دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية الأقوى عالمياً دون تحقيق الهدف الذي من أجله بدأت الحرب جواً وبراً وبحراً. اليوم ومع بدء العد للنصف الثاني للعام تتصاعد وتيرة الاحتجاجات في إسرائيل المطالبةِ بوقف الحرب لأنها لن تعيد أسراهم ولن تقضي على حماس التي تلقت ضربةً قوية لكنها أمر واقع في غزة ولن تستطيع أية جهة فلسطينية بديلة لها من فرض سيطرتها على القطاع، وإذا ما حصل سيناريو الإدارة البديلة فستدخل في صراعٍ مسلح معها ومع حركات مقاومةٍ أخرى لا يُستهان بقوتها رغم الضربات الموجعة التي تلقتها حتى لو استمرّت إسرائيل في المتابعة. مع بدء العد للنصف الثاني من العام تزداد الأصوات العلنية المطالبة بإجراء انتخاباتٍ في إسرائيل ستكون نتيجتها الواضحة هزيمة نكراء لرأس الهرم في إسرائيل بنيامين نتانياهو الذي يناور لإطالة أمد الحرب للحفاظ على عرشه كمن كان أكثر زعيم يحكم إسرائيل منذ إقامتها، زعيمٌ تمكن من إنهاء اليسار سياسياً وتحجيم قوة العرب برلمانياً ووضع اليمين كقوةٍ أولى جعلت منافسيه يعزفون تماماً عن مسميات اليسار وحتى المركز ويلونون دعاياتهم الانتخابية بألوان اليمين والتشدد ويدفعون بالجنرالات إلى الأمام في قيادة الأحزاب. لذلك فإن المعركة الإنتخابية القادمة التي قد تجري بعد نصف عام ستكون بين يمين متجذر فشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية وبين يمين جديد سيُلوح بالتجربة العسكرية وقد تتمحور دعايته الانتخابية على وضع السياسة جاباً وقت الحرب والالتحاق للدفاع عن الوجود حتى مع الأنداد السياسيين، هكذا فعل العسكري غانتس وهكذا بات الأكثر حظاً في الفوز بالانتخابات المقبلة. غانتس الذي سيكون ذلك المعارض الذي لم يتردد في تلبية نداء الحرب ويقاتل بضراوة ويستمر في الوقوف إلى جانب معارضيه إلى أن يتم إعادة كافة الأسرى وعندها يبدأ حربه السياسية التي بدأت إرهاصاتها والتي لن تكون فيها محظورات وستجعله أول رئيس وزراء في إسرائيل يتمكن من تشكيل حكومةٍ غير خاضعةٍ للابتزاز. عندها سيعود السيناريو القديم وتبدأ عودة المصطلحات السياسية التي نسيناها مثل العودة إلى طاولة المفاوضات وعقد مؤتمرٍ دولي للسلام وما إلى هنالك من هذه التسميات. عندها ستكون حماس والمقاومة في غزة ضعيفة وسيكون العداء بين الأشقاء الفلسطينيين بلغ ذروته إن لم نقل الاقتتال، وقد تعود من جديد مسميات مثل إنهاء الانقسام وقد تُعقدُ لقاءات في عواصم عربية لاقتسام الحكم. ستشهد إسرائيل انتخاباتٍ تفرز قيادةٍ يلتزم بها الجميع، وستشكل السلطة الفلسطينية حكومة تلو أخرى وستنتهي سنوات خمس يتقاتل فيها الفلسطينيون على السلطة ويستنجدون الدول المانحة ويلومون العرب على التأخر في دفع استحقاقهم.