خالد بن حمد المالك
استقلال القرار في الدول الأوروبية يُنظر إليه على أنه استقلال منقوص، وأنّ التحالف مع أمريكا جرّدها من استقلالية قرارها، وأن الخوف من روسيا والصين جعلها تتنازل عن كثير من حقوقها في الأخذ بالسياسة التي تجعلها قائدة وليست تابعة لغيرها.
* *
فأمريكا هي التي تتحكم بهذه الدول، وتُملي عليها ما تفعله، وبما ينسجم مع التّوجّهات الأمريكية في كثير من القضايا الدولية العالقة، أو تلك التي لأمريكا موقف منها، بصرف النظر ما إذا كانت المواقف الأمريكية تتجه نحو مصالح هذه الدول أم لا، ما جعل شعوبها تخطئ حكوماتها على مواقف لا مصلحة لها فيها.
* *
وأمريكا هي من يقود هذه الدول في كل المستجدات الدولية الساخنة، دون أن يكون لبريطانيا، أو فرنسا، أو ألمانيا أو غيرها الاستعداد لأخذ موقف مضاد أو مختلف عن الرؤية الأمريكية، ما جعل هذه الدول صغيرة وأحياناً هامشية، ولا تعدو أن تكون مُكملة ومُعززة للصوت الأمريكي والسياسة الأمريكية.
* *
فماذا لو أخذت هذه الدول بموقف الحياد، فحمت نفسها من جهة، وأصبحت وسيطاً عادلاً ومُنصفاً في تفكيك الأزمات العالمية، وإنهاء الصراعات بين الدول، لتستحق بذلك قيادة العالم نحو الأمن والاستقرار والسلام، وبالتالي فرّغته من النزاعات والخلافات التي لا تخدم أحداً؟
* *
ربما لهذه الدول حسابات أخرى لا نعرفها، وقناعات ليس هناك من هو أدرى بمصلحتها منها، لكنها مجرد فكرة خارج الصندوق، يمكن وضعها ضمن أفكار مستقبلية أخرى على طاولة النقاش، وإخضاعها للتجربة والاختبار بعد سنوات من الإجماع على فشل التكتلات في تجنيب العالم أضرار الانقسامات بين معسكرين لم يجلبا غير القتل والدمار والمؤامرات.
* *
أزعم أن أحداً لم يستفد من سياسة التابع والمتبوع، بل إن هذا الخيار عزّز من الخلافات، وخلق بيئة عالمية مُحفّزة للحروب، ومُشجعة على الفوضى، حتى ولو جاءت خلّاقة بحسب الرؤية الأمريكية، ما يجعل الوضع في حالة ضرورة للتفكير والتغيير نحو ما يجلب السلام، ويحمي الناس من هذا التآمر عليهم.
* *
أمريكا اليوم هي من تتدخل في شؤون الدول، وهي من تدير الحروب، وهي من تريد أن تُفصّل سياسات الدول وتوجهاتها وفق مصالحها لا مصالح الدول الأخرى، وما من فوضى حدثت في أي دولة فإن أمريكا لن تكون بريئة من دور لها في تلك الفوضى حين يتم التفتيش عن أسبابها، فهي منحازة ولا تحتكم إلى الصدق ولا تتعامل بمسؤولية في مواقفها إزاء تلك الأحداث.
* *
وأمريكا أخيراً هي أمريكا، يتغير الرؤساء، والوزراء، وأعضاء وقيادات الحزبين، والبرلمانات، لكن تبقى مواقفها، وسياساتها، ونهجها على ما هو عليه، وإذا أردتم الدليل، فالموقف الأمريكي من فلسطين المُخِلّ بالعدل، المعزّز للاحتلال، دون سبب أو مبرر، أكبر دليل على انقياد الدول الأوروبية الأعمى بالتأييد للظلم الأمريكي الواضح.