خالد بن حمد المالك
لفت نظري ما قالته وزيرة خارجية ألمانيا، بأن إسرائيل دولة قوية عسكرياً، وأنه يخطئ من يعتقد أنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وتصريح الوزيرة أعتبره بمثابة مواساة للإسرائيليين في فشلهم في حرب غزة وتحرير الرهائن، لكنه في مفهوم آخر وكأنها تتحدث لكي لا يُفهم بأن قيام أمريكا وحلفائها بالدفاع عنها، على أنه ضعف تعاني منه إسرائيل، وإلا فلا مبرر لهذا التصريح، ما لم يكن الهدف منه إضافة دعم ألماني معنوي -بعد العسكري- لإسرائيل، لمزيد من الاسترضاء والتكفير الألماني عن اضطهاد اليهود.
* *
الوزيرة الألمانية تعرف جيداً أنَّ مَن تصدى لإيران ليست إسرائيل، وهذا مُعلن ومُشاهد، ولا داعي للحديث بغير ذلك، وقد يُفهم التصريح على أنه إدانة ألمانية لإيران في هجومها الفاشل على إسرائيل، ولكن كنا نتمنى، لو صاحب تصريحها تنديد بالمجازر التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين في غزة بالأسلحة الألمانية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، ليكون تصريحها موضوعياً ولو في جزء منه، خاصةً من دولة تعرف أكثر من غيرها عن سلوك الإسرائيليين - اليهود- بالتجربة، عندما كانوا جزءًا من التركيبة السكانية في ألمانيا، قبل تمكينهم من احتلال فلسطين كوطن بديل.
* *
ولا نختلف مع الوزيرة الألمانية في أنَّ إسرائيل دولة قوية، فقد أُغدق عليها من الأسلحة -ولا يزال- ما لا يمكن أن تحصل عليه دولة أخرى من أمريكا ودول الغرب، ومنها ألمانيا، وأضيف إلى هذه القوة دخول أمريكا والغرب شركاء في كل حروب إسرائيل، ما يجعل تصريح الوزيرة بلا قيمة، لأنه يتحدث عن معلومة موثقة بالدليل القاطع، مستنداً على التجارب السابقة والحالية، ومن المشاهد التي لا تخطئها العين، وهي حقيقة، سواء صادقت عليها الوزيرة الألمانية وصرحت بها، أو لم تفعل، ولكن ليس هذا هو المهم، فهناك شعب يُقتل، ويُحرم من حقوقه، وتُحتل أرضه، وكان على الوزيرة أن تندد بذلك.
* *
ومن المؤكد الذي لا يحتاج إلى تأييد أن أكثر أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، يأتي من مواقف أمريكا والغرب المنحاز لإسرائيل، فتصرف هذه الدول هو ما يخل بالسلم وقوانينه على مستوى العالم، ومع ذلك فإنها لا تجد حرجاً في الحديث عن حقوق الإنسان، وحرصها على حمايته، دون أن تلمس الشعوب المظلومة أثراً لذلك، وإنما تعاني من ترسيخ المظلومية، ومن تعميق الهوة في التآمر على حقوق الدول والشعوب على أيدي ما تسمى بالدول الكبرى وبأسلحتها، بما يفرّغ التصريحات -كما هو تصريح الوزيرة الألمانية- من أي أهمية.
* *
وحتى لا يكون تصريح الوزيرة حالةً نادرةً من نوعه، وقد أرادت به إخافة من يفكر باستعادة حقوقه من إسرائيل وبخاصة الفلسطينيون، لكن هناك ما هو أسوأ من هذا التصريح، يصدر من ألمانيا وأمريكا والغرب، خاصةً حين يكون الحديث عن دولة فلسطين على الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما يظهر أن الاستعمار ما زال يُخيّم على أكثر من منطقة في العالم، ولكن بأسلوب جديد، وآليات مختلفة، مع تحسين صورته بمفردات وألفاظ على نحو ما يتردد عن قادة ووزراء في الدول المهيمنة على العالم.
* *
نتمنى أن تتراجع ألمانيا ومثلها أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن مواقفها، وتنأى بنفسها عن المشاركة في التصعيد العسكري مع إسرائيل في المنطقة، وأن تحوّل قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية إلى برنامج ينزع فتيل المنازعات والقتال في منطقتنا، لا أن تستمر كفتيل لاشتعال النار المحرقة في هذا الجزء المهم من العالم.