د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
نظر القوى الكبرى إلى السعودية قبل اتخاذ أي قرار يخص منطقة الشرق الأوسط يعود إلى العام 1932 حين تم توحيد المملكة، وأضحت الرياض قبلة الوفود الرسمية الكبرى منذ مقابلة الملك عبد العزيز روزفلت التاريخي في 14 فبراير عام 1945 بعيداً عن الأعين على الطراد يو أس أس كوينسي الراسي في البحيرة المرة الكبرى كان عائداً روزفلت من مؤتمر يالطا، حيث التقى قادة العالم لمناقشة مستقبل أوروبا ما بعد الحرب لكن قرَّر روزفلت الالتقاء بأهم زعماء الشرق الأوسط وإفريقيا كان على رأسهم الملك عبد العزيز وصاحبة الكلمة المؤثّرة في السلم والحرب.
ولأن الاقتصاد توأم السياسة لا يمكن الفصل بينهما فلم تعد السعودية مركزاً تشارك في صنع السياسات العالم فقط، بل تشارك في رسم خطوطه الاقتصادية، وبالأخص رسم خطوط السعودية الاقتصادية التي ترتبط بأمن المنطقة الاقتصادية، فقد أوضح الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في منطقة الخليج لويجي دي مايو أن أكثر من 350 شركة أوروبية حصلت على تراخيص لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض بالتوازي مع تأسيس أول غرفة تجارية أوروبية في الخليج سيتم افتتاحها في مايو 2024 بعدما بلغ إجمالي التجارة المجمعة للسلع بين السعودية والاتحاد الأوروبي 88 مليار يورو في 2023 مرتفعة من 70 مليار يورو في 2022 بجانب ارتفاع مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر من 36.6 مليار يورو إلى 95.4 مليار يورو.
تتجه السعودية نحو العمل الكثيف لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية بما يحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة، ويجنب العالم الآثار السلبية الناتجة عن تذبذب الأسواق واختلال سلاسل الإمداد العالمية، والمطالبة بتجنب تسييس هذه القضايا، وخصوصاً أن العالم لا يزال متعطشاً للنفط رغم تنامي صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، فيما نجد الكونغرس الأميركي يتهم الطاقة الدولية في 3 أبريل 2024 بالتسبب في أزمة مستمرة بسبب أنها فشلت في توفير بيانات دقيقة، بل اعتبر توقعاتها معيبة وتتجه نحو تحريف تنبؤاتها، خصوصا فيما يتعلق بذروة الطلب على النفط والغاز التي تهدد بتقويض امن الطاقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها، وكانت بيانات الوكالة مسار خلاف رئيسياً مع الدول المنتجة للنفط خصوصاً السعودية بعدما صرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن توقعات وكالة الطاقة الدولية غير المستقرة والخاطئة تسببت بتقلبات الأسعار خلال عام 2022 بسبب تنبؤاتها الخاطئة بشأن سوق النفط.
اتجهت السعودية إلى بناء علاقات إستراتيجية وشراكات إقليمية ودولية، وضمان أمن إمدادات الطاقة واستقرار أسواق النفط، وتعزيز الأمن البحري وحرية الملاحة البحرية، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ، وتأمين مواردها الاقتصادية الحيوية والدفاع عنها، ويركز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشدة على دفع السعودية نحو مستقبل ما بعد النفط، والاستفادة من موارد السعودية لوضعها كلاعب جيوسياسي رئيسي يتمتع بقاعدة اقتصادية متنوعة.
أطلقت السعودية من خلال دول مجلس التعاون الخليجي رؤية إقليمية مشتركة للأمن الإقليمي تتضمن التنسيق في مجال الطاقة وتنفيذ نهج للاقتصاد الدائري للكربون الذي يعزز تطوير وتوظيف مصادر الطاقة المتجددة والاستخدام الأمثل للموارد الهيدروكربونية من خلال التقنيات النظيفة لإدارة انبعاثاتها بما فيها التقاط وإعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون، وهي مبادرة عرضتها السعودية على العالم أثناء قيادتها لمجموعة العشرين في 2020، بل ستسخر السعودية خبراتها العالمية عبر شركة أكوا باور الاستثمار في الهيدروجين الأخضر وهو سوق يتجاوز 300 مليار دولار وفقاً لتقديرات بنك ناتيكسيس وهو قطاع ناشئ سيفتح الباب أمام كثير من الفرص الواعدة في مجال إنتاج الهيدروجين وتطوير مشروع الشركة في نيوم الذي سينتهي عام 2026 بقيمة 5 مليارات دولار، وسيكون تركيز الشركة على 4 مناطق جغرافية تضم السعودية والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا.
بل أكدت السعودية على دعم ضمان حق الدول في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وذلك في إطار الاتفاقيات الدولية والالتزام بمعايير الأمان النووي، والاستعداد للتعاون والتعاون بشكل جدي وفعَّال مع دول الجوار الإقليمي لتعزيز الأمن والأمان النوويين، بما يسهم في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.
من أجل تحقيق الريادة الاقتصادية للمنطقة حتى تصبح على غرار أوروبا الجديدة، فهي تحاول إقناع دول المنطقة بأن الأولوية للتصالح والاعتراف بأن السلام المستدام يعتمد على معالجة الأسباب الجذرية للصراع في المنطقة، وأن تتعامل مع مظاهرها على أنها صراعات على الثروة والسلطة، وإن كانت مستترة بمصطلحات طائفية، بعد إدراك الطبيعة الجيوسياسية للطائفية السياسية من أجل مواجهتها من خلال وضع إستراتيجيات فعَّالة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وهي خطوات أساسية نحو تعزيز الاستقرار والمصالحة في المنطقة بعيداً عن التخندقات المفتعلة، والتركيز على الانخراط البناء وبناء الجسور مع القوى الإقليمية والدولية وفق الدبلوماسية متعددة الأطراف، وتوسيع نفوذها في المحافل الدولية مثل مجموعة العشرين وتعزيز دورها كوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية، وتسعى نحو تعزيز مكانتها كقوة وسطى مؤثّرة على الساحة العالمية مع سعيها نحو قيادة حملة دبلوماسية نشطة في إفريقيا وفي آسيا الوسطى وفي بقية أنحاء العالم.