علي الخزيم
- قالوا: إلى مدينة الخُبر شرقاً! قلنا: هَلِمُّوا؛ لكن لماذا؟ قيل: إن قريبنا العزيز فلاناً قد انتقل إلى جوار ربه غفر الله له، وصلنا إلى هناك وتوجهنا للصلاة عليه بمسجد كانت تُقام به صلاة الجمعة، وبودِّي أن أبدي رأياً حول خطبة الإمام ذاك اليوم، فقد كانت السماعات بالمسجد بعدد كبير وصوت الخطيب مرتفعاً إلى فوق المُعدَّل الطبيعي، ويبدو أن هناك خللاً ببعض السَّمَّاعات أو باللاقطات بالمصدر مما أحدث إزعاجاً وتشويشاً على المصلين وعكَّر عليهم استقبال مضمون الخطبة، كما أن المضمون من ذاك المحتوى الذي كنت تحدثت عنه خلال رمضان المبارك ودعوت إلى تجديد مثل هذا الخطاب المُكرر.
- المسجد واسع وبطراز فخم يليق بمن سُمِّي باسمه - غفر الله سبحانه له ولمن بناه - وخُصِّص له مواقف تستوعب الكثير من السيارات تزيّنها بعض الأشجار المُلطّفة للأجواء نسبياً، وفي الإشارة هنا تلميح لمن يبني مسجداً دون الالتفات لأهمية المرافق المحيطة به؛ فهي المكملة للغرض من بناء المساجد، وثُمَّةَ ملاحظة مهمة تَكَرَّر التطرق لها من أئمة المساجد والوعاظ وبالبرامج التلفزيونية المتخصصة وغيرها؛ ألا وهي الفوضى بترك الأحذية - أعزكم الله - أمام مداخل المسجد، فقد شاهدت هناك ما لا يليق رغم توفر أماكن رفع الأحذية، فهي مسألة وعي.
- لم تكن المَقبرة بعيدة عن المسجد، لكن كان الدخول إليها يصحبه بعض العناء، إذ إن المدخل الذي ولَجْنا منه يقع بين ورش ومغاسل للسيارات؛ والأزقة حوله تزدحم بالسيارات المتوقفة والمتحركة، وإن كان هناك مداخل غيره فإن المرافقين أعرف بديارهم! دخلنا بصعوبة فكُنَّا أمام معضلة المواقف التي انفرجت بعد لأيٍ، وتوجهنا مشياً بمسافة لنقترب لأماكن الدفن، ولاحظت أن المقبرة تحتاج لشيء من زيادة التنظيم والعناية، فهي تضم أجساد الأهل والأحباب مِمَّن لهم القدر بحياتهم ومماتهم.
- شاركنا بجزء من مراسم العزاء، ثم انطلقنا عائدين للرياض وبعد مبيتنا وعند الصباح قالوا: إلى مقابر النسيم! فقد اختار الله سبحانه عزيزاً آخر، والعجيب أن هذا الأخير تجمع بينه والأول روابط وصلات عائلية تدعو للتأمل والتَّفكّر؛ فسبحان من له البقاء جل شأنه! ولعل من المناسب المقارنة بين المَقبَرتَين؛ فقد كانت مقبرة النسيم بالرياض أكثر تنظيماً بمداخلها وطرقاتها، فعند الدخول تَجِد المُنظمِين والحراسات الأمنية يوجهونك للوجهة المناسبة، فمقابر الأطفال مثلاً بجهة مغايرة، كما أن القبور المُجهّزة مُرقَّمة سلفاً ويستقبلك موظفو الأمانة ليوجهوك لقبر قريبك بالرقم.
- هي ملاحظات سريعة، غير أن الأهم منها كلها هو الاحتشاد العائلي ومن المُقرَّبين للمُتوفَّى بالمسجد للصلاة عليه وبالمَقبرة لتشييعه ودفنه، وهو وإن كان مِمَّا يُندب له ومن العادات الحميدة عند كل المسلمين؛ إلَّا أنك تجد من لا ينشط بِصِلات الرحم والتزاور - من غير عذر - إلَّا بحالات المرض الشديد والتنويم بالمستشفى أو بحالات الوفاة، وأخيراً فمِمَّا راقني بهذا الجانب قول أبي العلاء المَعَرّي:
(تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ
إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ
أضْعَافُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ)