خالد بن عبدالرحمن الذييب
يعيش الكاتب شخصيات متعارضة في جسده تتصارع بين الفينة والأخرى. فمعشر الكتاب لديهم أحلام كثيرة، يترك كثير منها على حافة «طريق الأحلام» - كما أسماه ابن نبي - ولا نعلم كم حلماً تركنا على حافة هذا الطريق، وهل هي فعلاً أحلام أم أوهام، وهل عدم تحقيقها لصعوبة فيها، أم لضعف فينا، أم لأن الأشخاص المتنوعين المتشاكسين المتعددين في جسد الكاتب هم الذين يتعبونه بكثرة الأحلام، فهم يحلمون داخله، وهو عليه أن يتجاوب مع أحلامهم، دون ترتيب للأولويات، فمن بداخل الكاتب يرمون بأفكارهم وكلهم يرونها واقعية، وعليه تحقيقها...
مسكين أنت أيها الكاتب، لا تعرف تتجاوب مع من، ولا تخطط لمن، فهم ثلة داخلك، وأنت شخص واحد، ليس لك إلا الهروب إلى الأمام، أو أن تنفث همك الذي أخذته منهم في قلم لا حول له ولا قوة إلا أن القدر ساقه إليك، وأصبح عبداً رقيقاً عندك ينفذ تعليمات من أصبحوا أسياداً عليك!...
في لحظة الفرح والإحساس بالمجد، وفي لحظة اعتقاد أنه سيشق طريقاً تحفه الزهور والانتصارات، أحد الأشخاص في أعماق الكاتب يظهر فجأة كصوت خفي، ذاك الصوت الذي لا يفرح إلا بحزن صاحبه، الصوت الداخلي الذي يبحث عن المشكلة ليزيدها ويظهرها، ويفرّع منها مشاكل ثم يقبع في مكان قصي، ليظهر ابتسامة الشماتة لصاحبه، وكأنه يقول هذه مشكلة واحدة، فرّعتها لك بعد أن اعتقدت أنك تحلها... فإذا أوجدت لها حلاً ظهرت لك عشر...
كثير من الكتاب اختاروا القلم سلاحاً ليرموا أفكارهم دون إزعاج، يعلمون أن نثر أفكارهم على المداد أبقى، فالكلام يُنسى أما الأحرف فتبقى خالدة خلود الزمن تظهر في أي وقت، ولكن ما قد لا يعلمه بعضهم أن من كتب الكلام هو شخص آخر داخل الكاتب في لحظة انفعال رماها على الورق، وترك كاتبها يدفع الثمن بدلاً عنه، أما ذاك الشخص، فهو ينظر اليه إما شامتاً أو خائفاً مختبئاً...
فيامن تلومون الكتّاب على ما كتبوا، لا تلوموهم، ولكن لوموا أصواتهم الداخلية التي تعذّب أصحابها أكثر مما تعذّب غيرهم واعلموا أن ما ترونه على الورق هو خلاصة صراع مع أشخاص داخلهم استطاع الكاتب كبت بعضها، واستطاع صوته الداخلي والأشخاص داخله النفاذ والتسلل ببعضها من داخل الحواجز الداخلية إلى العالم الخارجي، فما خفي من ألم... كان أعظم!...
أخيراً...
كثيرة هي خواطر وأفكار الكاتب، ولا يعلم أيها أصح، ولكن القدر يصطاد ما هو ملائم فيقوده إليها.
ما بعد أخيراً...
مشكلة بعض الكتاب والمفكرين إنهم يفكرون في كل شيء، فيخافون من كل شيء...