«الجزيرة» - عبدالله الهاجري:
مساء يوم الثاني من أبريل سنة 1949م، ابتهج صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز «رحمه الله» وزوجته الأميرة وضحى بنت حمود الفيصل بقدوم طفل جديد سمياه «بدر»، كان ذلك في الرياض التي عشقها هذا الطفل فيما بعد.
ترعرع بدر بين أقرانه، وشغف بالفن والرسم والشعر، لكنه كان خائفًا من فشله في الأخير، وهذا الخوف جعله أحد صناديد الشعر في الوطن العربي، وبنى مدرسته الخاصة التي لم يستطع أحد الدخول إليها، أو حتى الاقتراب منها.
شكلت «الرياض» تفاصيل كثيرة في مسيرة بدر الشعرية، وقال فيها من الأبيات الشعرية ما يثلج صدور الشعر والغناء وما «ينقش العصفور في تمرة العذق».
في أحد تجليات البدر يقول عن الرياض:
في الليالي الوضح
وفي العتيم الصبح
لاح لي وجه الرياض
في مرايا السحب
حتى يقولها بصوت فنان العرب:
ما أبي من الناس ناس
وما علينا لو طربنا وانتشينا
آه ما أرق الرياض
آه ما أرق الرياض تالي الليل
أنا لو أبي لو أبي ..
خذتها بيدها ومشينا
لم تنته علاقة بدر بن عبدالمحسن بالرياض التي أبصر النور فيها، وما غابت عن ذاكرته الشعرية وتدفقات الكلمة في قصائده، حتى قال مرة أخرى في أوبريت «مولد أمة» وهو أحد أشهر وأجمل الأوبريتات الوطنية على الإطلاق:
منها بدا نور الجزيرة في نهار
شمس سناها بان في كل الديار
بسم الله أبدا قالها عبدالعزيز
وسط الرياض وكل ما ينويه صار
وفي لحظات تجلّ، هذا هو البدر حين تطري «الرياض» على ذاكرته، ففي مكان آخر من «مولد أمة»، ينتشي هذا الهامة بحبها ويعترف بولعه بها، حين يقول:
قلبي تولّع بالرياض
حب ورثته من الجدود
يا صفحة ناصعة البياض
زرعتي الصحرا ورود
يا نجد يا أرضي وسماي
يعجز عن الوصف اللسان
الحب مالي فيه رأي
وما أظن لي غيرك مكان
ولطالما سكنت «الرياض» في ذاكرة بدر بن عبدالمحسن، وكأنك تشعر أنه يسكنها وتشعر به، وفي ملحمة «فارس التوحيد»، يقول الراحل:
في القلب جمر يالرياض ذكرك يشبّه
وماحد«ن» عرف عشق الرياض الا نشب به
يجيك غصب يالرياض وصادق محبة
ومن يتتبع سيرة الـ«بدر» يجد أن الرياض كانت أكثر ما يأتي على خاطر شعره حين يهم بكتابة قصيدة، وفي مكان آخر من الوطن، وفي لقاء معه رحمه الله، تحدث عن الرياض بحب كبير وعشق لا متناهٍ فقال:
أتذكر أشياء كثيرة منها أن البيت الذي ولدت فيه في حي الغوطة بالرياض، كان عبارة عن ثلاث مناطق، الأولى خاصة بوالدي -رحمه الله- ومخصصة لاستقبال الرجال، والثانية للعائلة، والثالثة للمخازن والمطبخ وحظيرة للماشية، وخلف المنزل (طوالة الخيل)، وهي المكان المخصص للخيل الذي كان يمتلكها والدي.
ويضيف: أتذكر أنني ولدت في وقت ظهرت فيه بعض علامات الحياة الحديثة على الرياض، فكان الطب الحديث -مثلاً- حاضراً، وكانت الكهرباء متوفرة، وإن كانت لا تتوافر إلا بصفة مؤقتة، فبعد صلاة العشاء تنقطع يوميا.
«انتهى».
وما زال قلب الـ«بدر» ينبض بالرياض، حين غنى عبدالمجيد عبدالله قصيدة «آه يا الرياض»، وفيها:
هذي عروس الشمس توها تعدت للمغيب
من خلفها ثوب الشعاع
كلمه على رمل الثرى هام النخيل
طفلين كنا..
نركض على تراب الاصيل
وناقف على جال الشعيب
وآآآآه... آآآه يا «الرياض»
يا شذى ورد الفياض
الغرس وعذوق الرطب
السيف
وعقال القصب
هذي الرياض
حبيبتي
في جيدها الوادي زهى
وطويق
يا سوار الذهب
ومرت سنين ومعها سنين
مرت وكنا صغيرين
نجمع سواليف وحطب
ونرمي حصى اسرارنا وسط القليب
يا وردة الطل..
ويا سدرة الظل
ورياضنا..
يا أغلى المدن
والله تغيرتي..
لأجمل تغيرتي
وصرتي البهى..
وصرتي الحسن
أرضك عمار وليلك نهار
ويوم السبت 4 مايو 2024 عن عمر ناهز 75 عاماً إثر وعكة صحية، وكان يتلقى العلاج في أحد المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس، حيث وافته المنية، ثم عاد إلى «الرياض» يوم الخامس من مايو، ليدفن فيها مثلما استقبلته قبل 75 عاماً، وفي وداعها يقول:
ناداه صوتٍ من بعيد
حول ترى حنا شديد
ولو كان يمنع هالفراق..
دم على كفوفك يراق
سيلت هالوادي..
وادي حنيفه
خيل مثل دمي شقر..
وسيوف رهيفه
وداعة الله يالرياض..
وداعة الله يالرياض