بعد فراق والدي المؤرخ الشيخ يعقوب بن يوسف بن رشيد الدغيثر رحمه الله وغفر له في ديسمبر لعام 2014م انطفأ نور في حياتي فوالدي كما قلت في مقالي عنه قبل أشهر الصديق والأخ الصدوق الذي اكتملت فيه صفات وسجايا الصداقة، فكنا ننهل من علومه وتجاربه ونصائحه حتى آخر لحظات حياته، فكان لنا منجماً لا ينفد وكنزاً لا يفنى، ولهذا أوجد رحيله فراغاً لكن أحد أصدقاء الوالد عوّض هذا الفقد الذي أثّر في نفسي وفي نفوس أسرتنا فكان لنا هذا الصديق بلسماً لجروحنا حينما فقدنا أبانا هذا الملخص، هو العم عبدالرحمن المعمر الذي فاضت روحه إلى بارئها مؤخراً وقد أفجعنا خبر رحيله مثل ما أفجع أسرته، فالعم عبدالرحمن كانت له صداقة عميقة وراسخة جذورها راسية، امتدت ما يقارب الستين عاماً لم يعكّر صفوها أي شيء ولم تجف عروقها وكنت شاهداً لصداقتهما التي كانت مثالاً للصداقة الحقة، امتدت هذه العلاقة إلى كلا الأسرتين، فهما ترتبطان بعلاقه منذ الجدود، وقد رثى العم عبد الرحمن الوالد وكانت كلماته وجمله في هذا المقال الرائع القيم عزاءً لأسرتنا.
ولقد صحبت العم عبد الرحمن أثناء وبعد حياة الوالد، وهو شخصية متعددة الشخصيات والمواهب، وكان يكرر على مسمعي أنا في محل والدكم.
إنه أنموذج مثالي يمشي على الأرض، وكان صريحاً جريئاً في الحق ويتفهم الرأي الآخر، وكنت أزوره في منزله أو في إحدى الزيارات الاجتماعية يطرب أسماعنا بتلك الأبيات الشعرية وحديثه لا يخلو من الاستشهاد الشعري.
وهو أديب حاذق وكاتب رصين قرأ الأدب العربي قراءة مستفيضة فهو قارئ نهم لم ينقطع عن القراءة حتى في السنوات الأخيرة من حياته فهو متواصل مع الحرف والكلمة، فالكتاب أنسه وسميره، فهو مكتبة متنقلة وتاريخ يسير على الأرض، وهو شاهد لأحداث في هذا الوطن الذي أحبه من قلبه، وقد علمت أنه سجل ذكرياته عبر ابنه الصديق الفاضل بندر، ولعله ينشرها ففيها الكثير من تاريخنا الوطني وخصوصاً إبّان صحافة الأفراد ثم صحافة المؤسسات فالعم عبد الرحمن من رواد الصحافة السعودية كان يكتب في صحافة الأفراد ثم أصبح رئيساً لتحرير صحيفة الجزيرة وعضواً في مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر وقد تتلمذ على يديه الكثيرون ممن مارسوا الصحافة.
وكان الوالد رحمه الله يزوره في مقر صحيفة الجزيرة فيكتب في الجزيرة وكان يستفيد من الوالد بحكم خبرته وتجربته في الحياة ورحلاته المتعددة في أرجاء العالم، وكانا يتفقان في أمور كثيرة من حيث الثقافة الموسوعية والصراحة والجرأة والوفاء والعم عبدالرحمن قد كتب مقدمة مذكرات الأديب أحمد عبد الغفور عطار رحمه الله كما علمت، والجدير بالذكر أن عطار صديق مشترك للوالد والعم عبدالرحمن.
كان للعم الأستاذ الرائد عبد الرحمن نشاط ثقافي وأدبي كبير، فقد أسس هو والأديب الراحل عبد العزيز الرفاعي رحمه الله والأستاذ محمد الزايدي دار نشر وأطلقوا عليها دار ثقيف للنشر والتأليف نشرت نخبة من الكتب، ولم يكن الهدف ربحاً مادياً بل هو نشر الأدب والفكر وصدرت عن الدار مجلة عالم الكتب التي كانت تصدر ربع سنوية وكانت أول مجلة متخصصة في الإصدارات الثقافية والأدبية صدرت عام 1400 وأما دار ثقيف فقد تأسست عام 1396هـ.
هذه إطلالة موجزة عن العم عبد الرحمن الذي كان بمثابة الوالد فكنا نستقي من شخصيته التي لا تنضب وهل سمعنا أن بحراً قد جفّ فكذلك أبو بندر غفر الله له وأسكنه الفردوس وعزائي لأسرته وأولاده ولأسرة آل معمر ولجميع أصدقائه فالعم عبد الرحمن ذاكرة منقوشة لا يمحوها الزمن فلله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى.
** **
- عبد الله بن يعقوب رشيد الدغيثر