تغريد إبراهيم الطاسان
كثيرة هي الملتقيات والاجتماعات والمؤتمرات التي استضافتها ونظّمتها المملكة عربياً ودولياً في مجالات عدة، وذلك في ظل التغيرات الجوهرية التي تعيشها اليوم، في إطار عملية التحديث التي طالت جميع مفاصل الدولة ضمن رؤية السعودية 2030، لتقدم للعالم عبر قوتها الناعمة تجربتها الرائدة، وتمنح الجميع ما يحتاجونه من معلومات ورؤى، لمعرفة ما وصلت إليه المملكة في أقل من عقد من الزمان، من خلال مشاريعها ورهانها على التنمية والاستثمار في الموارد البشرية والبيئية والطبيعية، مما مكنها من تحقيق عوائد اقتصادية غير نفطية بأرقام مذهلة.
هذه النجاحات ما كانت لتتحقق لولا حزمة من القرارات والتشريعات، التي مهدت طريق النجاح وعجلت به، وكان من أهم هذه القرارات هي «حماية النزاهة ومكافحة الفساد» وحوكمة المشاريع، وبث ثقافة السياسات والالتزام في شرايين العمل، مما ساعد في ضبط الأداء وجودة العمل وتحقيق المستهدف في زمن قياسي.
وفي هذا السياق جاءت استضافة المملكة مؤخراً للملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد ووحدات التحريات المالية الذي نظمته رئاسة أمن الدولة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد تحت رعاية سمو ولي العهد، -حفظه الله-، بمشاركة وزراء مختصين وسفراء دول عربية ونحو 300 شخص من 28 دولة يمثلون هيئات مكافحة الفساد والجهات الحكومية والمنظمات الدولية والمؤسسات المالية والمصرفية والأكاديمية، لتقدم المملكة من خلاله تجربتها الرائدة في ذلك، والتي رأينا كيف أن كثيراً من الدول أرسلت خبراءها لمعرفة خارطة حماية النزاهة ومكافحة الفساد، والشروع بتطبيقها في دولهم حسب حاجتهم لها ورغبتهم في ترتيب اقتصادهم وتنميتهم المجتمعية.
لا شك أن استضافة المملكة لهذا الحدث الهام على أرضها لم تأتِ بمحض المصادفة، بل أتت كنتيجة طبيعية لثقلها ومكانتها ودورها الريادي وجهودها الكبيرة في مجال مكافحة الفساد والتي أصبحت منجزات مهمة يفاخر بها السعوديون ، مستلهمين إياها من مقولة والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حينما قال: »إن المملكة لا تقبل فساداً على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا الفساد»، وهي المقولة ذاتها التي أكدها سمو ولي العهد حينما قال: «يهمنا أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد»، «وأنه لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًا من كان».
وقد أولت المملكة اهتماما كبيرا لمكافحة الفساد، انطلاقاً من إدراكها لتأثيره وخطره اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً على أي مجتمع، متخذةً ما يلزم لمكافحته، وتقديم الدعم اللازم للجهات واللجان المختصة، واستمراراً لهذا النهج جاءت رؤية بلادنا الطموحة 2030 لتجسّد الأهمية التي توليها القيادة الرشيدة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، حتى تكون مرتكزًا رئيسًا لتحقيق مستهدفات الرؤية الرامية إلى تنفيذ الإصلاحات في مختلف المجالات والقضاء على الفساد المالي والإداري، وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والإصلاح الاقتصادي، بما يضمن الفاعلية، وحماية المال العام، والمحافظة عليه، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن، وتعزيز ثقة المستثمرين، والاستمرار في تحسين موقع المملكة في التصنيفات الدولية المرتبطة بالنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
ولعله من الأجدر بنا في هذا السياق التطرق لبعض الجهود التي بذلتها المملكة في مجال مكافحة الفساد، حيث أسست منذ قيامها دواوين تُعنى بالرقابة والتحقيق والمحاسبة، وبادرت بالاستجابة لاستحقاقات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، ومن ثم أعلنت عن الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي اكتملت بموافقة مجلس الوزراء على تنظيم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة»، وصولاً لإطلاق العديد من الأنظمة والتطويرات والتعديلات، ومنها تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد، ليس ذلك وحسب بل إن المملكة وضعت نواة للتعاون الدولي لمكافحة الفساد حيث طرحت أثناء رئاستها لقمة مجموعة العشرين في العام 2020م فكرة تأسيس شبكة عالمية لمكافحة الفساد، عُرفت باسم «شبكة مبادرة الرياض العالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد وقدمت 10 ملايين دولار لإنشاء هذه الشبكة.
إن حرصنا على استضافة مثل هذا الحدث الهام، الذي يؤكد الاهتمام الكبير والدعم غير المحدود، لتكون بلادنا نموذجاً يحتذى في حماية النزاهة ومكافحة الفساد، آملين أن يحقق هذا الملتقى الأهداف المرجوة، بما ينعكس على تعزيز جهود الدول العربية في حماية النزاهة ومكافحة الفساد، من خلال تبادل الخبرات والتجارب وبناء القدرات وتعزيز التعاون بين الهيئات الحكومية السعودية ونظيرتها العربية، والعمل يدًا بيد لتجفيف منابع الفساد وحماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية.