مشعل الحارثي
لكل منا قدرات مختلفة وطاقات كامنة، ونقاط شخصية تتراوح ما بين الضعف والقوة تحدد البداية والنهاية وتمنحنا القدرة للانطلاق في مسار العمل الطويل الذي يجب أن نعبره بالطموح والأمل والثقة والصبر والجدية التامة والوعي بأهمية الاستثمار والتوظيف الصحيح للمعارف والقدرات المكتسبة ومعرفة القنوات التي يجب أن يسكب فيها الشخص جهد السنين وعرق الكد والتعب وحصد المعرفة، خاصة ونحن نعيش في ظل هذه الطفرات المتتابعة من صور ورتم الحياة المتغير، وتلك الموجات المعرفية التي قدمت لنا الإنترنت وشبكات التواصل والمعلوماتية الهائلة التي لا تتوقف ولا تعترف بسقف محدد ودخلت دورنا بدون استئذان.
وكدليل عملي على ما تقدم أنقل لكم هذه القصة المعبرة التي تروى ويستشهد بها في مجال علم الإدارة والتي تقول: إن مكينة إحدى السفن التجارية الكبيرة تعطلت فقام أصحاب السفينة بإحضار الخبراء لإصلاحها الذين توافدوا واحداً بعد آخر ولكن دون جدوى ومرت الأيام دون الوصول إلى حل أو نتيجة وهو ما تسبب في خسارة آلاف الدولارات يومياً، فما كان من ملاك السفينة الا استدعاء أحد الفنيين الذين كانوا يعملون عليها وأحيلوا للتقاعد وبعد أن فشلت الشركة الأجنبية المشغلة للسفينة في إيجاد حل للمشكلة، وعندما حضر الرجل قام بتفقد وفحص الماكينة الضخمة بدقة متناهية بينما وقف ملاك السفينة ومهندسوها يتابعون بشغف ماذا سيفعل هذا الرجل الذي لا يحمل معه سوى حقيبة معدات صغيرة وتطلعهم لمعرفة السبب الحقيقي لعطل المحرك، وبعد أن انتهى الرجل من الخطوة الأولى اتجه لحقيبة عدته وأخرج منها مطرقة صغيرة وطرق بها في مكان معين من أعلى المحرك فعلى صوت المحرك وعاد للعمل، وبعد أسبوعين من التوقف خسر بسببها ملاك السفينة عشرات الآلاف من الدولارات، وعندما تأكد ملاك السفينة من معاودة سفينتهم لنشاطها بكل قوة وكفاءة تلقوا بعد أسبوع مطالبة الرجل بأجور الإصلاح بمبلغ (10) آلاف دولار فعلا صراخهم من ضخامة المبلغ المطلوب مقابل طرقات بسيطة من مطرقة لم يرافقها أي جهد كبير أو إصلاح وتغيير بعض القطع وطالبوه بفاتورة مفصلة عن تكاليف الإصلاح فزودهم وجاء في تفاصيلها الآتي: الكشف على المحرك (500) دولار، الضرب بالمطرقة على موضع الخلل (10) دولارات، معرفة مكان الطرق على موضع الخلل (9490) دولاراً، ليبلغ بذلك المجموع النهائي (10) آلاف دولار.
ولوعدنا لحديث العقل والمنطق فإن هذا الثمن الباهظ الذي طلبه الرجل قد لا يستحقه ظاهرياً على تلك الضربات البسيطة إلا أن معرفة الرجل وتشخيصه الدقيق لموضع الخلل نتيجة خبراته الطويلة المكتسبة من الممارسة والحرص على تطوير القدرات والمهارات واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب جعلته يستحق ذلك الثمن مقارنة بالخسائر الجسيمة المترتبة على عدم المبادرة والمسارعة بحل تلك المشكلة والحيلولة دون تفاقمها والتي عجز عن حلها الآخرون ويترتب على عدم حلها خسائر تعادل أضعاف أضعاف ذلك الثمن.
إن المعرفة التي تهتم بالإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل أو الحدس لاي أمر يقود للتمييز بين الضار والنافع والتي تقوم أساساً على التجربة والتعلم بالدرجة الأولى أصبحت اليوم تشكل أصلاًص ثميناً من أصول الإنتاج وعاملاً مهماً في بناء الخطط والاستراتيجيات للقطاع الخاص لأن الرصيد المعرفي المتراكم في جعبة الموظف أو العامل أو المتخصص في جانب من الجوانب المعرفية والعملية يمثل أكثر أهمية من المعلومة التي يمكن استخلاصها من وسائط المعلومات المتعددة كما أشرنا ودور المعرفة الحيوي في دعم الأنشطة وتحقيق النجاح، ولذلك تسعى الشركات للمحافظة على الموظف الذي يمتلك تلك المعارف ولاتفرط فيه باعتباره أيضاً أصلاً قابلاً للفقدان بسبب التحولات السريعة التي يتعرض لها الموظف أو العامل من وقت لآخر.
وعليه فإن معرفة الشخص التامة لقدراته وطاقاته الكامنة وما يكتنزه عقله وذاكرته منها سوف يساعده على معرفة كيفية الوصول السريع لأهدافه وحصد النجاح المطلوب والانخراط في العمل الذي يضيف له دوماً الجديد والمفيد من الخبرات والمعارف، أما إذا شعر الموظف أو الشخص العامل بأن المكان أو العمل الذي يعمل به لا يجعله في يومه خيراً من أمسه ولا يوفر له فرص التطور والتقدم والمنافسة الشريفة فعليه أن يقرأ على ذلك المكان السلام لأنه سيصبح بعدها ضمن الطاقات المهدرة وسيكون أسير شرنقة الكسل والتراخي والإهمال وعدم الفاعلية ويجد نفسه غير قادر على العطاء وإضافة ما ينفع نفسه والناس والوطن حتى ولو كان ذلك بالشيء القليل.